بغض النظر عمن يرتكبها وإلى أي مذهب أو طائفة ينتمي فإن هذه العمليات الانتحارية، ومن بينها عملية جبل محسن في مدينة طرابلس اللبنانية التي استهدفت أمس الأول أبناء الطائفة العلوية، قذرة ومدانة ولا يمكن تبريرها على الإطلاق، ومثلها مثل جريمة باريس الأخيرة التي لا يبررها أن هناك مجلة غير جادة دأبت على نشر رسوم "كاريكاتورية"، أساءت للرسول محمد، صلوات الله وسلامه عليه، وجرحت مشاعر المسلمين في أربع رياح الأرض وفي كل أنحاء المعمورة.

Ad

إن ما حصل في جبل محسن جريمة إنسانية وأخلاقية لم يستفد منها إلا نظام بشار الأسد لأنها عززت التفاف أبناء هذه الطائفة حوله وحول نظامه، بعدما بدأ بعض هؤلاء، إن لم يكونوا كلهم، يتساءلون عن جدوى هذه الحرب التي أقحمهم فيها هذا النظام العائلي، الذي تحت ضغط ومتطلبات مصالحه ومصالح حلفائه دمر البلاد وشرد العباد وأوصل سورية إلى هذه الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها.

صحيح أن زعامة علويي جبل محسن وطرابلس اللبنانية، المتمثلة حالياً في رفعت عبيد الذي أعطاه والده علي عيد اسم رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، قد وظفت نفسها وحاولت توظيف هذه الطائفة في عاصمة الشمال اللبناني في المشروع الطائفي، لا في لبنان وسورية فقط، بل في الإقليم كله، هذا المشروع، الذي تقف وراءه إيران، سابقاً ولاحقاً، والذي أصبح "حزب الله" أحد مرتكزاته الأساسية، لكن المعروف أن هناك فئة معتبرة ومؤثرة من أبناء هذه الطائفة، التي يجب النظر إليها من خلال مواقف المجاهد الاستقلالي الكبير صالح العلي، وليس من خلال هذه الطغمة الاستبدادية التي بقيت تحكم في هذا البلد العظيم لأكثر من أربعين عاماً، قد دفعت الثمن نفسه الذي دفعه أبناء الطائفة السنية وأبناء الطوائف الأخرى، والتي فقدت العديد من رموزها الوطنية والقومية في السجون وبكواتم الصوت منذ انقلاب عام 1970، حتى هذه اللحظة.

ولذلك، فإن هذه العملية الانتحارية مدانة ومرفوضة، لأنها استهدفت أناساً أبرياء ولأنها جاءت ككل العمليات الإجرامية المنطلقة من منطلقات طائفية ومذهبية خسيسة، لتحرف الصراع في هذه المنطقة من صراع سياسي بين التخلف والتقدم وبين التبعية والانعتاق إلى صراع قذر جعل الجار يعتدي على حرمات جاره، وجعل أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة يتركون أعداءهم وأعداء أمتهم وينشغلون باقتتال قذر لعل أبشع ما فيه هذا الذي نشاهده الآن في اليمن والعراق وسورية، وأيضاً في لبنان الذي أقحمه "حزب الله" بتدخله في الشؤون الداخلية السورية في هذه الدوامة العنيفة، وهو لم يبرأ بعدُ من جراح الحرب الأهلية التي اندلعت في سبعينيات القرن الماضي.

كان الصراع في سنوات سابقة، قبل أن يتفشى هذا المرض في جسد هذه الأمة ويأخذها بعيداً عن مسار حركة التاريخ، بين من كان يعتبر نفسه تقدميا والآخر رجعياً، وبين من كان محسوباً على المعسكر الغربي ومن كان محسوباً على المعسكر الشرقي، لكن ذلك الصراع، الذي كان يبدو منطقياً بل ضرورياً، لم يصل إلى كل هذا المستوى من الانحطاط، ففي السابق كانت هناك انقلابات عسكرية وكانت هناك مشانق وميادين إعدامات، لكن لم تكن هناك مثل هذه العمليات الانتحارية القذرة، ولا مثل كل هذا الاستهداف الطائفي والمذهبي، ولا مثل كل هذه الاعتداءات الظلامية على المقامات والمراقد والمساجد والحسينيات والأضرحة.