ميسلون هادي: الجوائز تفي الروائي حقَّه وتتوِّج تاريخه

نشر في 08-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 08-06-2015 | 00:02
• حصدت {كتارا} عن روايتها غير المنشورة {العرش والجدول}

فازت ميسلون هادي بـ{كتارا» عن فئة الرواية غير المنشورة. الروائية العراقية البعيدة منذ فترة من «الشهرة الأدبية» نصوصها حاضرة، تؤكد أن صاحبتها تنظر بمبالاة إلى كل صغير وكبير، من الطفل إلى الوطن، وهي ما انفكت تسرد العراق في رواياتها، وطن يبتعد عنه بعض شخصياتها فيما يتعلَّق به البعض الآخر... تكتب عنه أيضاً في «العرش والجدول»، الرواية الفائزة، حيث تحكي ثلاثة عقود من تاريخ العراق الحديث ما بين 1977 و2007، ينسجها حب بين فتاة تنتمي إلى تيار سياسي وشاب ينتمي إلى عائلة مناوئة للحكم.
ما الذي بدلته، أو ربما تبدله، «كتارا» في حياتك ومسيرتك الأدبية؟

 

الجائزة هي حصيلة أو نتيجة من نتائج الكتابة وليس العكس، بمعنى أنها تتوج تاريخ الكاتب، وتكرس اسمه الذي صنعته سنوات طويلة من الاشتغال على مشروعه الأدبي، وتكريس حياته كلها لهذا المشروع، من ثم، أعتبر الكتابة هي جائزتي الكبرى.

 أما الجوائز الأخرى فتمنحني المزيد من الاحساس بالجدوى، لأن  عملي يكون قد تم تقييمه من نقاد وناقدات على درجة كبيرة من الحس النقدي والمعرفي، وليست لديهم أهواء القارئ السطحي، أو ميول الناشر التجاري الذي قد يجعل من بعض الروايات العابرة تحتل مراكز الصدارة في المبيعات.

 

أخبرينا عن «العرش والجدول»، الرواية الفائزة.

 

تتناول رواية «العرش والجدول» ثلاثين عاماً من تاريخ العراق المعاصر، وهي الفترة الممتدة من عام 1977 وحتى عام 2007 ، وذلك من خلال قصة حب بين فتاة تنتمي إلى عائلة من اتجاه سياسي معين، وشاب ينتمي إلى عائلة من حزب مناوئ للحكومة. ومن خلال تلك العلاقة، ستمر الرواية بالتغيرات كافة التي طرأت على العراق خلال تلك الفترة والأحداث السياسية الساخنة التي غيرت وجه العراق أكثر من مرة. وستشهد الشخصيات الكثير من التغيرات الاجتماعية المتداعية عن التغيرات السياسية التي مر بها العراق خصوصاً والوطن العربي عموماً خلال تلك الفترة.

سنرى كيف أن حياة الناس ستتقلب باتجاهات مختلفة، فيتحول بعضهم إلى جهة المنفى، والبعض الآخر يتمسك بجهة أخرى هي بيته ووطنه، والخيار الثاني كان هو الأكثر ترجيحاً لكثير من الشخصيات التي قدمتها في السنوات الأخيرة. 

 هل تصبّ كثرة الجوائز العربية المخصصة للرواية في مصلحة الكتابة الروائية؟

 

أخشى أن يعتبر البعض الجوائز وسيلة للكسب السريع، فيستعجل الكتابة من أجل هذا الهدف، دون أن يأخذ في حسبانه أنها تتويج لشغف الكاتب العربي، وجهده المضني لعقود من الزمان يعاني خلالها من ضعف الانتشار والتسويق، حيث لا توجد أي جهة تقوم بالتسويق لاسمه أو عمله الروائي كما يجب. كذلك نفتقد إلى وجود الوكيل الأدبي الذي بدونه لا يمكن للكاتب أن يشق طريقه نحو الشهرة والتألق في الغرب. ولا تزال هذه التسهيلات بعيدة كل البعد عن نشاط التأليف والنشر عندنا. ولا يخضع جهده المضني لحقوق النشر والتأليف العالمية، ولا تتوافر له حصة من الأرباح أو أي عائد مالي آخر، ولهذا تأتي مثل هذه الجوائز لتفي الكاتب بعض حقه بعد هذا المشوار الحافل بالأوجاع والمسرات. 

 

رغم أنك نشرت روايات عدة، بدا بعضهم متفاجئاً باسمك مع الفائزين بـ»كتارا». لماذا؟

 

هذه هي الحال الطبيعية للكتّاب في الوطن العربي، وأسبابها كثيرة، في مقدمها ضعف الاهتمام بهم من قنوات الاتصال الفضائية، فالإعلام لدينا زيد من المغمور تجهيلاً، ومن المعروف تعريفاً، فتراه يعيد أسماء مكررة ومستهلكة غالبيتها لمن ينتمون إلى عالم الشهرة الفنية، سواء ذات الطابع الجاد أو التجاري. 

وإذا كان القارئ العادي لا يلام على جهله ببعض الكتاب، فالمفروض بالقارئ العربي النوعي والمثقف أن يكون عارفاً  بالأسماء المهمة والمكرسة. 

وعلى أي حال قد تكون للجائزة ميزة أخرى هي ميزة التعريف بالكتاب المعروفين في بلدانهم حق المعرفة، ولكنهم قد لا يكونوا معروفين في باقي البلدان العربية.

 أصدرت في بداياتك الأدبية مجموعة قصصية تنتمي إلى الخيال العلمي، هل ثمة أرضية لهذا النوع الأدبي في العالم العربي؟

 

كتبت في بداياتي الكثير من روايات الخيال العلمي للفتيان.  وأنا أصلاً جئت إلى الأدب من اختصاص علمي، ولهذا يظل شغفي في العلوم كبيراً، وخصوصاً علوم الفيزياء والفلك، وهو الأمر الذي جعل الكثير من الأفكار العلمية تطرأ على بالي، فأحولها إلى قصص من الخيال العلمي. أنا أيضاً معنية بالبيئة التي دمرها شره الإنسان، وأحزن كثيراً عندما أدخل إلى الأسواق، وأرى هذا الكم الهائل من المنتجات مبذولة للإنسان داخل مساحات كبيرة وتحت سقوف عالية (المراكز التجارية)، والتي تجعلني أشعر بالدوار عند الدخول اليها. 

 يعتقد البعض أن الفقير فقط هو من يجب أن يتعفف في حين أن التعفف في الغنى أكثر وجوباً من التعفف في الفقر. وعن هذا الجانب الأخلاقي كتبت بعض القصص العلمية التي تحذر من الشره والنزعة الاستهلاكية التي فاقت الحدود كافة... وفي واحدة من هذه القصص دعوت إلى تأسيس محكمة عالمية لمحاكمة الشراهة البشرية التي تخلف وراءها هذا الكم الهائل من أنواع الأكياس وورق الهدايا والمناديل الورقية والعلب ومجلات الإعلانات وأدوات الماكياج والمعطرات والأكسسوارات... الخ. وكلما رأيت فنانة تضع الماس في موبايلها أو أظفارها أو فساتينها أشعر بالحزن والأسى الشديدين، وأتمنى أن تتوافر جهة تحاكمها على هذا الاستهتار بمشاعر الناس.

  هل الحرب العراقية بعد 2003 أفزرت لغة جديدة في الرواية؟

 

أفرزت كماً تجاوز الـ 400 رواية تحوَّل وسيتحول إلى نتاج نوعي يملك حساسية جديدة وغير مسبوقة... ثمة ملل من الهم  والواقع المزري الذي نعيشه، فلهذا تحوَّل بعض الروايات الى الحس الساخر، وانكب البعض الآخر بغرائبية تمليها غرائبية الواقع الذي يعيشه العراق.

 

تعتبرين الكتابة عن المرأة أصعب من الكتابة عن الرجل، ما السبب في ذلك؟

 

لا أستطيع أن أطرح بعض قضايا المرأة بالسهولة نفسها التي أطرح فيها قضايا الرجل، فأضطر إلى الترميز واستعمال المجاز والاستعارات، وكثير مما يحدنا ويكبلنا  أيضاً هو أن ثمة صعوبة تتمثل في أن القارئ «يشخصن» العمل، أي يعتقد أن البطلة في الرواية أياً كانت تمثل القاصة أو الروائية ذاتها... ولكن الكاتبة مع تقدم العمر ورسوخ أسمها تستطيع أن تتجاوز هذه المشكلة... ومع هذا تبقى حريتها مقيدة فلا تستطيع أن تتناول الكثير من القضايا التي تتحدث عن المرأة. 

 

إلى أي مدى تشبهين بطلة رواية «زينب وماري وياسمين» التي تعيش ثقافتين مختلفين؟

 

تتحدث هذه الرواية عن قصة حقيقية قرأت عنها في خبر من أخبار بلد إسلامي من الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفيتي السابق. واستفدت من الخبر في طرح فكرة اختلاف الثقافات بين عائلتين منتميتين إلى دينين مختلفين، ووظفت هذا الحدث لتناول أوضاع المرأة العربية بشكل عام. فكانت ياسمين المسلمة وكانت ياسمين المسيحية، وعندما يتم تبادل الأدوار سنعرف أن التحديات التي تمر بها الشخصية المسلمة ستكون صعبة جداً.

الهوية و العولمة

 

• ما الذي تعنيه الهوية بالنسبة إليك في زمن العولمة؟

 

 في البداية، أجد من الضروري التذكير بأن مظاهر الغزو الثقافي كانت موجودة على كوكبنا الأرضي منذ آلاف السنين، بل كانت العولمة ذاتها موجودة منذ فتوحات الإسكندر المقدوني للشرق (وهي الفترة التي تسمى تاريخياً بالفترة الهيلينية)، حيث يذكر كادر جوستاين في كتابه الشهير «عالم صوفي» أنه عندما كان القروي الهندي أو العربي أو الفارسي يخرج إلى الأسواق فيجد أمامه خليطاً من البشر والأفكار والسلوكيات لم يعرفها أو يعهدها في أعرافه وتقاليده، كما يجد إن معتقداتهم ودياناتهم مختلفة عما يعتقد ويدين به، فإن هذا كان يدفعه إلى الإحباط ويجعله يشعر بالانزواء، لأنه في ما مضى كان يعتقد أن العالم هو عالمه فقط، وأن معتقداته وتقاليده هي الوحيدة التي يجب أن تحترم فهو لا يعرف سواها. 

فكرة التعرض لمثل هذه التجربة، ستتكرر وتتخذ تمظهرات عدة عبر الفتوحات والعمليات العسكرية ونشوء الإمبراطوريات وتوسع الأمم إلى حين وصولنا  إلى عصر  الأقمار الصناعية السابحة فوق رؤوس الجميع، وهذه التحديات الجديدة للعولمة أشعرت الكثير من المسلمين بالإحباط والكآبة أيضاً، وبما أنه لم يعد المنع مجدياً مع وسائل التكنولوجيا والتحديات الرهيبة أو التقنيات المبهرة والبرامج ذات الجاذبية الهائلة. فكيف إذن نتعامل مع هذه التحديات ونتقي شرورها؟

أعتقد أن ثمة خطاً أخيراً للدفاع عن الهوية العربية، وأقصد بذلك الخط الدفاعي هو الثقافة، التي يبدو أنها وحدها القادرة على توحيد الأمة، ما دامت الفتن الطائفية والسياسية تكاد أن تمزقها شر ممزق. من هنا تستدعي هذه المشكلة أن نطرح قضية الثقافة كحل جميل وساحر... كطاقة إبداعية، كمساحة داخل البث الفضائي والمناهج الدراسية والحياة الاجتماعية. ندعو الى توسيعها وزيادة فاعليتها على التأثير في الانسان العربي وتشكيل وعيه، بل وقدرتها على انتشاله من أوقات فراغه ومن برامج وخيارات سطحية وتافهة. بالإضافة إلى ذلك، تحصن الثقافة الوعي من الاختراق أو الإحباط أو حتى إلى التطرف، وتجعل حاملها إنساناً قوياً وذكياً فاعلاً وقادرا على التغيير وتبني مفاهيم الجمال.

 

back to top