{الجديد} تطرح الأسئلة الشائكة

نشر في 16-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 16-02-2015 | 00:01
No Image Caption
مجلة شهرية ثقافية عربية
تصدر مجلة {الجديد} في خضم زمن عاصف يمرّ به العالم العربي الذي يشهد زلزالاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً مهولاً. وعلى مدار أربعة أعوام منذ أن خرج التونسيون يرددون {الشعب يريد} باتت الوقائع اليومية لما سيُعرَّف لاحقاً بأنه {ربيع عربي} خبراً عالمياً يومياً، وموضوعاً مغرياً للسبق الصحافي نصاً وصوتاً وصورةً.

يحفل العدد الأول من {الجديد} (فبراير) بمقالات فكرية ونقدية، ونصوص إبداعية، ويوميات، وحوارين، عربي، وأجنبي. وفيه أيضاً ملفان وافيان، الأول حول مواقف مفكرين ومثقفين عربٍ من الوقائع والأحوال التي شهدها العالم العربي في سياق ما سمي بـ{الربيع العربي}، وآخر حول المؤنث في الثقافة والاجتماع.

رئيس تحرير المجلة نوري الجراح يقول إن المنشور في صفحات العدد هو السطور الأولى في رسالة، والدفق الأول في نهر {الجديد}. ويشير إلى الأهمية الخاصة التي يكتسبها الملفان، الأول لما يباشره من طرح للأسئلة الشائكة حول هذا {الربيع الدامي}، وتكتسب جملة المقاربات التي قام بها الكتاب المشاركون فيه أهميتها من كونها تعبر عن ملامح من أفكار مختلفة تنطلق من منظورات فكرية خاصة بأصحابها، وتختلف في التوصيف وتتفق على الفكرة والمسألة.

وجاء في مقدمة الملف: {ما كان متوقعاً، أن تتحول انتفاضة تونس السلمية، ذات الطابع المديني الشبيه بتونس وزيتونها، إلى بحر متلاطم من الدماء سبحت فيه بلادٌ عربية أربعة، ولم يدر في خلد من دافع عن جموع شارع العصافير (شارع الحبيب بورقيبة) التي رفعت نداءها بكلمة {إرحل} ناقلةً إياها من زجرة بصوت الشرطية التي طردت البوعزيزي وعربة الخضار التي كان يجرّها، لتصبح تلك الكلمة هتافاً عالياً موجهأً إلى أعلى سلطة في البلاد، وتالياً في بقية البلاد التي جرفها الربيع الأحمر.

طالبت تلك الشعوب بحريتها، بعد عقود من الضبط والبرمجة، وكان طرفان يراقبان ما يحدث وينظران إليه بعين متربّصة، المجتمع الدولي، والمعارضات التقليدية لتلك البلدان التي خالطت الاستبداد وعاشت معه، واعتبرته أمراً واقعاً، أما المجتمع الدولي الذي فضّل التعامل مع الوكلاء من زعماء العالم الثالث، غاضاَ الطرف عن كيفية وصولهم إلى الحكم، فقد صمت برهة، ليستجمع قواه وإدراكه، ثم قرّر الترحيب بانتفاضة الشعب، ولكن على طريقته الخاصة، فاشتغل هنا وأهمل هناك، وأدار ما سمّاه بـ {الهبوط الآمن} للأنظمة التي تم تطييرها وانتزاع شرعيتها، وما يزال مختبر الغرب في لحظته الأولى، يحاول ويفشل، ثم يحاول من جديد، في سورية وفي اليمن وفي مصر وليبيا وتونس، أما المعارضات التقليدية، فخرج منها من ركب موجة الشعب، وفهم من انتفاضته أنها سبيله الوحيد وفرصته المواتية للوصول إلى الحكم، بينما لم تكن ثورات تلك الشعوب مشاريع حكم، بقدر ما كانت صرخات إصلاحية جذرية، لا تريد هدم الدول، ولا تخريب المنجز الذي تعبت فيه وعليه عقوداً طويلة}.

أما الملف الثاني في المجلة التي تصدر في لندن فيفتح الباب واسعاً لطرح السؤال حول مكانة المرأة في الثقافة والمجتمع، ويطل على الهوامش التي حشر الوعي العربي فيها الأنوثة كحيز إنساني ما برح يتعرَّض للقمع والسلب والإخضاع.

ويتفق كتاب وكاتبات الملفين على المخاطر التي تحيق بتجربة المرأة في المجتمعات العربية، وثقافاتها الشعبية والمهيمنة بفعل ظهور دعوات لإعادة المرأة إلى البيت رافقت التحولات العنفية التي شهدها الربيع العربي، لا سيما السبي والرجم والجلد، وهو ما يهدد منجزاً قلقاً ومتأرجحاً للمرأة عمره مئة عام من الكفاح والمعاندة والصبر على التمييز وسوء الأحوال.

في هذا الخضم العارم ولدت ثقافة الشارع، ويا لخطر تلك التسمية والتباسها. ثقافة الشارع، هل هي حقاً ثقافة شارع أم ثقافة شعوب؟ الهتاف واللوحة والملصق واللافتة والأغنية، والشذرات المكتوبة بلغات عربية شتى تتراوح بين الفصحى المربَكة والمصدومة بالوقائع الجلل المتلاحقة، والعاميات الطليقة الصارخة بكلمات الغضب والدعوة إلى التغيير، منبرها ومسرحها المبكران كانا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ظهرت في الشوارع، وفاضت في المجتمعات.

وفي الحالتين كان الشباب وراء كل هذا، بينما الثقافة العربية الكهلة تتمطى في منابرها، وتدرج في سياقاتها المعتادة، نزيلة قلاعها الوهمية. ثم ما إن اهتزت هذه القلاع حتى تشقق اليقين، وعم القلق، ووقع شيء كثير من الفرز في صفوف الحركة الثقافية، فبتنا بين موقن بأن شيئاً جديداً يلوح ولا بد من الانتساب إليه، وشك في أن شيئاً لن يتغير، وأن على هذه الثقافة أن تحفظ نفسها، كما عهدت نفسها، أمام رياح عاتية، لكنها غير مواتية للمراكب.

على خلفية هذه اللوحة السريعة، تصدر مجلة {الجديد} لتلم بالجديد المغامر والمبتكر، أدباً وفكراً، وتكون منبره، لئلا تبقيه يتيماً، تعطيه الفرصة التي يستحقها المستقبل من الحاضر، وتؤدي له واجب الجديد نحو الأجدّ.

بحسب الجراح، لن تكون {الجديد} منبراً يعيد القديم، أو يبشّر به، وإنما هي منبر يدعو إلى استئناف المغامرة الفكرية والجمالية الخلاقة التي بدأتها الثقافة العربية في أبهى لحظاتها، وأكثرها عصفاً فكرياً، ونزوعاً جمالياً نحو التجديد والابتكار خلال قرن من مسارات الحياة الفكرية والأدبية العربية، ومن خلال احتضان الكتابة الجديدة والتسليم بحرية الكاتب وجرأة البحث، وحوار الأفكار.

وصدور مجلة {الجديد} في هذه اللحظة العربية العصيبة والفارقة هو في حد ذاته تحد كبير للقيمين عليها، ولكل من سيشارك في رفدها بثمرات فكره وإبداعه من حملة الأقلام العرب، لكونها عنوان دعوة إلى استئناف المغامرة على أرض الفكرة الجامعة والأفكار المختلفة. وما نراه أن ولادة منبر جديد إنما يحمل في دلالته تقديراً للرواد الذين سبقوا إلى تأسيس منابر طليعية عاشت زمنها، وأدت رسالتها، ثم احتجبت.

لا بد هنا من ذكر بعضاً من تلك المنابر غير الرسمية التي أدت أدواراً في الثقافة العربية، كـ{الرسالة}، و{الأديب} و{الثقافة}، و{الآداب}، و{شعر}، و{الناقد}، و{الكاتبة}، وغيرها... من تلك المجلات الطليعية التي أثارت الحياة الثقافية وحرّضت على الكتابة الجديدة، والخيال الطليق، وكانت بمثابة رافعات للحياة الثقافية، فليس ثمة ما يعوض عن المجلة في مجتمعات منتجة للثقافة، خصوصاً في المنعطفات التاريخية الكبرى. ونحن في منعطف لا سابق له ولا شبيه، بعضها حاول ونفدت عدّته فتوقف، وبعضها الآخر لا يزال يقاوم رياحاً عاتية وظروفاً صعبة في وجه الاستمرار.

 

back to top