ثورة "النفط الصخري" تعيد رسم خارطة العالم النفطية

نشر في 12-01-2015 | 13:15
آخر تحديث 12-01-2015 | 13:15
No Image Caption
يشهد العالم تغيرات جوهرية تعيد رسم خريطته النفطية ليس بفعل الثورات والأحداث السياسية الساخنة فحسب إنما بفعل ثورة أخرى ولاعب جديد لم يعد ممكناً التقليل من دوره في إعادة رسم الخريطة النفطية العالمية ويتمثل في "النفط الصخري".

ورغم أن هذا النوع من النفط لم يجد اهتماماً كافياً بدايات انتاجه عام 1947 حتى بعد تطور هذا الإنتاج في السنوات الأخيرة إلا أن تدهور أسعار النفط وفقدانها أكثر من 60 في المئة من قيمتها خلال أقل من ستة أشهر استوجب البحث عن أسباب ذلك ليتبين في مقدمتها "النفط الصخري".

والآن لم يعد التغير في العالم يشمل التغير المناخي فقط ولا التغيير السياسي بل يُطال أيضا التغيير في القوة الاقتصادية للدول بفعل عدة عوامل على رأسها مكانة الدولة النفطية التي يحددها بشكل أو بآخر الانتاج النفطي ومنه "الصخري".

وهذا النوع من الطاقة بدأ تأثيره على الإمدادات في الولايات المتحدة الأمريكية يلفت الانتباه منذ عام 2008 إلى أن اندلعت الثورة الحقيقية للنفط الصخري عام 2013 ومازالت مستمرة إلى الآن في سعيها إلى تحقيق أهدافها وهي الوفرة في المعروض من النفط وتحقيق الاكتفاء بحلول عام 2025 بل والتصدير بحلول عام 2030.

ولاشك أن ثورة النفط الصخري حققت الكثير من أهدافها حتى الآن لكن ربما تدهور الأسعار يكبح جماحها أو على الأقل يقلل من تأثيرها ويحول دون التوسع في الإنتاج لهذا النوع المكلف من النفط الذي تتراوح تكلفة انتاج البرميل الواحد منه بين 30 و80 دولاراً حالياً بحسب البئر وموقعها والطبقات الأرضية التي يتم العمل بها وغير ذلك.

وفي تعريفه للنفط الصخري قال الخبير في استراتيجيات النفط والغاز ورئيس شركة الشرق للاستشارات البترولية الدكتور عبدالسميع بهبهاني إنه عبارة عن طبقات صخرية مصمتة أي بمسامية تقاس بالميكروميتر "أقل من 1 في المئة".

وأوضح بهبهاني أن هذه الطبقات تكون من طين متصلب مثل "ايجل فورد" أو من الجير الطباشيري مثل "أوستن تشوك" أو من رمل ناعم مثل "ولكوكس ساند" وطبقات الفحم الحجري التي تحوي عادة غاز الميثان وهي تغطي 10 في المئة من مخزون الغاز في الولايات المتحدة "750 تريليون قدم مكعبة".

وذكر أن هذه الطبقات تحوي كسوراً دقيقة تقاس بالميكرون تكسر بالضغط المائي وتحشى بالرمل الناعم حفاظاً على الكسور من الانغلاق وهذا يعني حاجتها إلى كميات كبيرة من الماء والرمل وهي من أهم مصادر الكلفة للبرميل.

وبين أن طبقات النفط الصخري عادة غنية بالمواد العضوية و80 في المئة من المنتج المتوقع يكون في صورة غاز، لافتاً إلى أن ميكانيكية النفط الصخري تختلف عن النفط الرملي الموجود في كندا.

وعن مخزون دول العالم من النفط الصخري، أشار إلى أنه بعد النجاح الذي حققته الولايات المتحدة من انتاج النفط الصخري عملت غالبية دول العالم على تجربة آبار لاستكشاف المخزون الصخري عندها وبين عامي 2011 إلى 2014 ازداد عدد الدول المكتشفة للصخري من 32 إلى 49 دولة ما أضاف إلى المخزون العالمي المحتمل من الغاز 8290 تريليون قدم مكعبة ومن الزيت 400 بليون برميل.

وقال بهبهاني بالنسبة إلى اكتشافات الغاز أن عدة دول أعلنت اكتشاف كميات هائلة ومن أهم عشر دول في هذا الصدد كانت كالصين 1115 تريليون قدم مكعبة الأرجنتين 808 تريليونات الجزائر 707 تريليونات الولايات المتحدة 665 تريليون وغيرها مثل كندا والمكسيك وأستراليا وجنوب أفريقيا وروسيا والبرازيل.

وعن المخزون الزيتي للنفط الحجري، أشار بهبهاني إلى إعلان روسيا اكتشاف 75 بليون برميل والولايات المتحدة 58 بليوناً والصين 32 بليوناً والأرجنتين 27 بليوناً وليبيا 26 بليوناً وغيرها كأستراليا وفنزويلا والمكسيك وباكستان وكندا.

وأفاد بأن أغلب تلك الدول لم تبادر بالإنتاج لقصور الوسائل المحفزة للانتاج الاقتصادي وكذلك للتحوط إلى حين ثبات أسعار النفط، مبيناً بأن من الدول التي بادرت بالإنتاج الولايات المتحدة التي وصل انتاجها إلى 4 ملايين برميل مكافئ يومياً وكندا وأستراليا بما مجموعه 1 مليون برميل مكافئ "ومجموع ذلك الإنتاج يشغل 5.4 في المئة من الإنتاج العالمي".

وقال إن عمر بئر النفط الصخري يتراوح بين أربع وخمس سنوات وبمعدل لا يتجاوز 500 برميل يومياً، مشيراً إلى أن انتاج 2013 يعادل 7 تريليونات قدم مكعبة ويتوقع أن يصل انتاج 2020 إلى 12 تريليون قدم مكعبة.

وعن وجود النفط الصخري في دول الخليج العربي والكويت، أشار إلى أن السعودية في طور حفر ما بين بئرين إلى خمس آبار اختبارية للغاز الصخري في ثلاث طبقات من الباليزوي والالسيلوري وذلك حول حقل غوار وعند حدود الأردن، لافتاً إلى أن عملية الحفر تواجه عدة تحديات في طريقها إلى الحل.

وذكر بهبهاني أنه بناء على دراسة تطوعية متخصصة لإمكانية وجود النفط الصخري في الكويت "نلاحظ أن هناك 23 طبقة طينية جيرية بسماكة 200 متر مرشحة أن تكون مصدراً مهماً للنفط والغاز الصخري وخاصة الغاز".

وأشار إلى أنه بمقارنة تلك الطبقات مع طبقات صخر أيجل فورد في أمريكا "فمن المتوقع أن يكون لدينا مخزون إضافي معتبر من الغاز الصخري في الكويت لذا أتمنى أن يكون هناك حفر تجريبي للغاز الصخري في الكويت" مقدراً المخزون الصخري في الشرق الأوسط بنحو 40 ضعفاً لمثيله في ايجل فورد الأمريكي.

وعن كلفة انتاج برميل النفط الصخري أوضح أنها كانت في الولايات المتحدة في فترة انتعاش أسعار النفط ما بين 60 و70 دولاراً للبرميل والآن وبعد هبوط أسعار النفط ومن ثم هبوط السلع المستهلكة في الحفر والإنتاج تتراوح بين 30 و40 دولار للبرميل ما جعل المخزون الأمريكي يهبط من 850 مليون برميل ليستقر عند 350 مليون برميل.

وذكر بهبهاني أن هناك عدداً من الحقائق خاصة بإنتاج النفط الصخري منها أن أكثر من 90 في المئة من الآبار التي تحفر في الصخري حالياً هي آبار تطويرية "وليست استكشافية" ما يعني أن كلفة البئر قد تنخفض إلى أكثر من 30 في المئة من كلفة البئر قبل عام 2011.

وقال "إذا قارنا المعدل العام لكلفة الآبار التي تحفر في "ايجل فورد" و"باكن" و"البيرمين" نجد أن كلفة البئر بمعدلها العام هو 5 ملايين دولار بتكسير صخري 8 مراحل وهو رقم عالٍ.

وأضاف أنه باعتبار تلك الفرضية صحيحة فإن كلفة البرميل السابقة "أي ما قبل 2011" هي 70 دولاراً وبمراجعة المتغيرات التي خفضت أسعار البئر من أجرة أبراج الحفر اليومية ومواد الحفر والدارسات اللازمة والحديد نجد أن جميعها بانخفاض وتصل إلى معدل 30 في المئة من أسعارها السابقة.

وأشار بهبهاني إلى استحواذ الشركات الكبرى على الصغرى الذي يتم حالياً ويعني انخفاضاً أكثر في كلفة البرميل لتوازنها مع المخزونات الضخمة.

وبيّن أنه أكثر شركات النفط الصخري تعتمد على ديون البنوك التي تشترط استمرارية التشغيل لاستدامة دفع الأقساط الشهرية وإلا تعرض للاستحواذ الإجباري أو تسييل الشركات المدينة ما يفيد بأنه لا ملاذ للشركات الصخرية إلا الاستمرار في التشغيل والبيع "لذا نرى أن التحديات للنفط الصخري بدأت تتكيف للاستمرار نحو الإنتاج وليس العكس".

وفي المجمل ينبغي الاعتراف بأن ثورة النفط الصخري أحدثت تغييراً على خريطة النفط العالمية وكانت سبباً رئيسياً في تدهور أسعار النفط بسبب وفرة المعروض في الأسواق لكن يبقى التساؤل الأكبر ما إذا كان باستطاعة الشركات المنتجة للنفط الصخري عالي الكلفة الصمود رغم تدهور الأسعار لما هو قريب من تكلفة الانتاج بل ربما أقل.

back to top