معظم مشاريع الخطة السنوية يدور في فلك بناء مشاريع إنشائية لوزارات الدولة أو تنفيذ مشاريع خدمية للمواطنين، كالجسور والمدن والمستشفيات، ولا تعود على الميزانية بعوائد غير نفطية، فضلاً عن أن الخطة تفترض توفير نحو 64.6 ألف وظيفة، نصيب الكويتيين منها 16 ألفاً فقط.

Ad

رغم أن الخطة الحكومية السنوية 2015/ 2016 تضمنت نحو 519 مشروعاً بتكلفة إجمالية تبلغ 45 مليار دينار، فإنها لاتزال غائبة عن حل العديد من أوجه الاختلالات الأساسية في الاقتصاد الكويتي.

فالخطة التي تعتبر أولى الخطط التنفيذية السنوية للخطة الانمائية الثانية للكويت، بعد إعلان فشل الخطة الانمائية الاولى، يغلب عليها جانب الإنشاءات والتطوير والمقاولات، فضلاً عن المتطلبات التشريعية مع إهمال كبير للعديد من التحديات الاقتصادية المتزامنة مع التراجع الحاد في اسعار النفط، بما يوازي 60 في المئة خلال 7 أشهر.

معايير أساسية

فمع ان الخطة تعد -مع وجود شكوك اصلا في جودة التنفيذ ومدته- ببناء مصافي نفط وبتروكيماويات جديدة وتوسعة كبرى للمطار ومدن سكنية وكليات جامعية ومستشفيات، الا انها لا تصب في اتجاه ايجاد حلول لمشكلات عانى منها الاقتصاد الكويتي ولايزال، وتتمثل في نقطتين يمكن قياس نجاح او فشل اي خطة تنموية من عدمه، هما:

- مدى قدرة الخطة على تحقيق نمو في العائدات غير النفطية للميزانية التي تراوح حاليا بين 7 و8 في المئة من اجمالي الايرادات، كون الاعتماد العالي على النفط هو احد ابرز المخاطر التي تواجه الاقتصاد المحلي.

- مدى توفير الخطة لفرص عمل حقيقية خارج اطار القطاع الحكومي، اي القطاع الخاص الذي يستقطب حاليا اقل من 10 في المئة من قوة العمل الكويتية التي تتركز اصلا بين القطاع العام والنفطي بما يكلف الدولة 10.5 مليارات دينار سنويا.

ومعظم مشاريع الخطة تدور في فلك بناء مشاريع انشائية لوزارات الدولة او تنفيذ مشاريع خدمية للمواطنين، كالجسور والمدن والمستشفيات لا تعود للميزانية بعوائد غير نفطية، فضلا عن ان الخطة تفترض توفير نحو 64.6 الف وظيفة، نصيب الكويتيين منها 16 الفا فقط، وهنا خلل اضافي يعزز الاختلال الحاصل في التركيبة السكانية.

إلا ان الاختلال الاهم هنا، نجده في التوزيع النسبي لفرص العمل الكويتية التي تعمق الاختلال في سوق العمل، اذ إن نصيب فرص العمل المخصصة للقطاع الخاص يبلغ 6600 فرصة عمل بما يعادل 41 في المئة فقط من الفرص المتوافرة في بلد يفترض ان خطابها الاقتصادي الرسمي وغير الرسمي يحث على توفير فرص عمل أكثر خارج القطاع الحكومي.

ويمكن تلمس بعض المشاريع الجيدة في الخطة التي تحقق اهدافا اصلاحية على الجانب الاقتصادي كمشروع ميناء مبارك وتطوير بوبيان او انشاء محطات كهرباء مع القطاع الخاص او بعض مشاريع قطاع النقل والتي توفر ايرادات غير نفطية وفرص عمل خاصة، الا ان حجمها في الخطة يظل اقل بكثير من حجم المشاريع محدودة الفائدة في الانشاء والتطوير خصوصا ان اهمها هو مشروع ميناء مبارك وبوبيان يعاني عوائق بيروقراطية تتعلق باعادة تعديل مرسوم مشروع مدينة الحرير وجزيرة بوبيان، فضلا عن تعديل جهازها التطويري.

استفادة محدودة

ربما يقول قائل: أليس اطلاق المشاريع بحد ذاته وإن كانت انشائية واعمال مقاولات مفيد على الاقل للشركات المدرجة في البورصة، ومن ثم تعمم الارباح على المساهمين؟

الجواب: ربما يكون في هذا الكلام جزءا من الصحة لو ان تنفيذ اعمال المقاولات والانشاءات محصور في الشركات المدرجة في البورصة، الا انه في العادة ينفذ من خلال شركات عدد مساهميها ضئيل جدا، وبالتالي لا يمكن تلمس فائدة حقيقية من العوائد المالية لاعمال المقاولات الا في اضيق الحدود.

ما نحتاجه فعلا، خصوصا في ظل التراجع الحاد لاسعار النفط، وعدم وجود رؤية واضحة للسوق خلال الفترة القادمة، ان تكون خططنا التي نستطيع تنفيذها تصب في اتجاه وقائي من اي تقلبات في سوق النفط، وهو ما يستوجب اتخاذ ما يعزز استقطاب الاموال الاجنبية وتوفير فرص اكبر خارج اطار العمل الحكومي، وتوفير نسب اكثر من العوائد غير النفطية، وهنا يجب الحديث اكثر عن ربط مشاريع الخدمات العامة والانشاءات بأهداف اصلاح الميزانية والايرادات واوجه الانفاق.

مشاريع تطوير

فمثلا، مشروع ضخم كتطوير مطار الكويت الدولي من الاجدى تنفيذه عبر نظام الـB.O.T، لا من خلال مناقصة لأن الاول يوفر عوائد للدولة وفرص عمل، بعكس المناقصة التي تتضمن اعمالا انشائية تكلف الدولة ولا توفر فرص عمل للعمالة الوطنية، وهذا ما يفتح الباب للحديث عن مشاريع الـB.O.T أكثر التي يجب ان ترتبط بالمحطات والمطارات والموانئ واعمال التشغيل الحقيقية، وليس بأسواق ومجمعات تجارية فقط، آثارها الاقتصادية شبه معدومة.

أهداف الميزانية

يجب ان ترتبط أهداف الخطة بنتائج الميزانية، وهو امر تكرر الاخفاق فيه خلال السنوات الماضية، لدرجة ان تستهدف الخطة خفض الانفاق العام فترتفع قيمة الميزانية 10 في المئة او ان تستهدف الخطة زيادة الانفاق الرأسمالي إلى 15.2 في المئة، في حين يشير الواقع الى ان الباب الرابع من الميزانية الخاصة بالمشروعات تراجع عن العام الماضي بـ9.9 في المئة، مما يشير الى ان خطة التنمية تستهدف شيئا والميزانية تحقق هدفا آخر، وهنا أحد ابرز العوامل التي تشير الى امكانية تفادي تنفيذ اي خطة مع تقديم بيان أداء ربع سنوي مثلا.

لاتزال عقلية صناع القرار ترى في المشاريع وحدها إنجازا مهما، ولا ترى نتائجها وأثرها على الاقتصاد، لاسيما من جهتي الايرادات وسوق العمل، وهو ما يفسر جانبا من الفشل المتكرر في أكثر من خطة سنوية.