عرفت سامية حلبي كرائدة الفن التجريدي المعاصر في العالم العربي. ولدت في القدس عام 1936، حازت دبلوم دراسات عليا في الفنون الجميلة في جامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأميركية. شغلت مناصب أكاديمية في مؤسسات وجامعات أميركية، من بينها مركز أستاذ مساعد في معهد الفن في يال، في المرحلة الأولى من مسيرتها الفنية، وعلى مدى عقد من الزمن، وهي المرأة الأولى في تاريخ المعهد تشغل هذا المنصب.
تندرج أعمالها في مجموعات المتاحف العالمية على غرار: المتحف البريطاني، متحف غوغنهايم للفنون (نيويورك وابو ظبي)، متحف الوطني للفنون في واشنطن، معهد الفنون في شيكاغو، معهد العالم العربي في باريس، المتحف العربي للفن المعاصر.مسيرة حافلةاستقرارها في الولايات المتحدة الأميركية منذ 1951، لم يمنعها من عرض أعمالها في أنحاء العالم، وفي السنوات الأخيرة عرضت أعمالها في «أيام غاليري»: لندن (2013)، دبي (2011)، بيروت (2010)، دمشق (2008). كذلك عرضت في نيويورك (2006)، متحف طوكيو (2004) وفي مركز سكاكيني للفن، رام الله، فلسطين (2000).المعرض الاستعادي الأول لسامية حلبي كان في «أيام غاليري» دبي (2014) وهو نفسه انتقل إلى «مركز بيروت للمعارض» في 2015. شاركت أخيراً في معرض جماعي في الأكاديمية الوطنية للفنون في نيويورك (2015).فضلا عن تجديد اهتمام النقاد والمتخصصين في الفن بأعمالها، عاودت وسائل الإعلام تقييم تجاربها المستندة على تقنية الكومبيوتر منذ 1980، إذ ابتكرت برامج وأداء حياً في مركز لينكولن ومتحف بروكلين للفن في نيويورك، وصنفت تحت خانة «الفن الحركي».نشرت كتاباتها حول الفن في «ليوناردو»، مجلة الفنون والعلوم والتكنولوجيا والدرسات العربية. ونشرت بشكل مستقلّ كتابLiberation Art of Palestine 2002 الذي يتضمن لوحات ومنحوتات للرسامين التشكيليين الفلسطينيين في النصف الثاني من القرن العشرين. وفي 2014، نشرت دار Booth-Clibborn {مونوغرام} الفنانة الثاني {خمسة عقود من الرسم والإبداع}.تشرف على المعرض المؤرخة الفنية ميمنة فرحات، وهو بمثابة مسح شامل يسلط الضوء على سعي سامية الحلبي الحاسم إلى تعزيز التجريد وتجذّره في الفلسفة المادية، من خلال أعمال على غرار: {اللولب الثالث} (1970)، {الفخ الأزرق في طريق السكة الحديد} (1977)، {الانتفاضة العالمية} (1989)، {الهرم} (2011)، بالإضافة إلى مقاربة الفنانة التاريخية لتطور الفن العالمي، وطالما جادلت حول ضرورة أن يسير التطور التكنولوجي مع تطور المجتمعات ويعكس المبادئ الموجودة في الطبيعة.حرية وتجديدفي كل عمل عند سامية حلبي نبض يتوق إلى الأرض المسلوبة، إلى الوطن المخطوف، فهي لا تنفك تستعيد صوراً من كل زاوية من زواياه، راسخة في ذاكرتها ووجدانها، وتسافر إليه بالحلم وتجسده أمامها عبر الخط واللون، فتتداخل الأشكال وتمتزج عناصر تأليف اللوحة، يحركها الحنين إلى أرض تختلط بدماء الشهادة، وقرية ومنزل وشجر زيتون، تعاني الوحشة والغربة بعد رحيل أصحابها.الحرية سمة أعمال سامية حلبي، فهي لا تقيد المشاهد بحدث معين أو ظرف معين، بل تبدو تجريديتها مفتاحاً لولوج عوالم لا متناهية، تحاكي الوجع من أنواع الظلم والاضطهاد سواء الشخصية أو الوطنية... من هنا قد يقرأها المشاهد وفقاً لمعاناته هو وليس لمعاناة الرسامة.في تجربتها الفنية المختلفة، تخط سامية حلبي محطات من تاريخ الشعب الفلسطيني الاجتماعي والحضاري، بهدف تعريف العالم إلى إمكاناته الفكرية والثقافية، خصوصاً أنه حوّل معاناته دفقاً من الإبداع، وانتزع الاهتمام من البلدان التي هُجر إليها...التجديد ثم التجديد، شعار اعتمدته حلبي في مسيرتها الفنية، فانطلقت بكليتها في تجارب من الكولاج إلى الفن الحركي عبر الكومبيوتر، وغيرهما، وابتكرت تياراً فنياً يقوم على العلاقة بين المادة وفلسفة الوجود، ويتميز بلعبة الضوء واللون المستوحاة في فصول الطبيعة في وطنها الغائب الحاضر أبداً في عقلها وقلبها ووجدانها.لأعمال سامية حلبي جذور قوية في الثقافة المشرقية، كيف لا وهي عمدت، على مدى مسيرتها الفنية ولا تزال، إلى توثيق صلتها بالمفكرين والمثقفين والمبدعين العرب، وكأنها تود أن يكون فنها شمولياً يعطي صورة مشرقة عن المنطقة العربية بعدما شوهتها المؤامرات المحاكة ضدها وكادت أن تخفي معالمها الحضارية.حاضرة هي سامية حلبي في كل الأوقات، في السلم والحرب، تمتشق ريشتها وتوظف إبداعها من دون خوف أو تردد، خدمة لقضايا الأمة العربية وليس وطنها فلسطين فحسب، لذا تبدو لوحتها بمفرداتها التشكيلية أكثر بلاغة وتأثيراً من الخطابات الطنانة الرنانة...
توابل - ثقافات
سامية حلبي... وظّفت عملها لوطنها «خمسة عقود من الرسم والإبداع»
08-02-2015