استراتيجية الألم
الألم هذا الشعور الغريب الذي يكرهه بنو آدم بكل معناه، والذي لو فتحنا له كل قواميس الطب وبحوث العلماء وقلنا له إن الألم مفيد لهزّ لنا رأسه ساخراً منا: كيف يفيد هذا الضيف المزعج الذي يسلبنا الراحة والنوم ويحيل أيامنا نكداً وجحيماً؟ نعم الألم ضيف والضيوف لا يبقون، إنهم يرحلون، إنه يأخذ واجب الضيافة ويغرب ربما بعضهم يحلو له المكان فلا يرحل إلا برحيل الروح معه.عندما يعض جسدك مرض ما وتبدأ الآلام تنهشه لتستسلم أخيراً لمشرط الطبيب تبدأ معاناة أخرى ربما أحسها المغترب المريض أكثر منه المواطن الذي يتشافى في دياره؛ لأن المرض والغربة إذا اجتمعا معاً كان الألم مضاعفاً وقاسياً جداً، تجد نفسك وحيداً على سرير المستشفى هناك يكون الألم فقط هو شريكك وأنيسك بها فلا يترك لك فرصة لتفكر بالآخرين، فقط تفكر كيف ستتخلص من هذه الوخزات والنبضات الموجعة التي لا تترك لك مجالاً لتغفو، عندها تبدأ مرحلة أخرى رحلة مؤلمة أكثر لتتغلب على ضعفك وغربتك على هذا السرير في هذا المستشفى، لكنك في النهاية تكون أقوى من أي وقت مضى، ولم يعد الألم ووجع المرض مهمين فقد تعودت عليهما وتصبح هذه الوخزات زائرا يطل برأسه من بعيد.
لقد مرت علي لحظات أحببت فيها الألم لم أشتكِ ولم أيأس بل كانت الحمد لله هي عزائي الوحيد وعشت معاناة السياب في مرضه وشعرت بها كما شعر هو بها:لك الحمد مهما استطال البلاءومهما استبد الألم لك الحمد أن الرزايا عطاءوأن المصيبات بعض الكرمكنت أحمد الله لأني تذكرت لحظات الصحة، وكيف أن الجسد يمسي ضعيفاً بعد قوة.جميعنا مرت علينا هذه اللحظات، فمهما شاركك الناس فلن يتحملوا عنك تلك الساعات والأيام وأنت تصرخ من عضاته وركلاته الفظيعة، لكنه يرحل وتبقى تلك اللحظات ذكرى تقصها على نفسك كلما داهمتك تلك الآلام، إنها ستنتهي... ستنتهي، وأخيراً عندما تحب الألم تجرده من قوته وسطوته.ودمتم بخير.