أكبر دليل على أن الفساد والرشوة قد تفشيا في أجهزة الإدارة العامة هو اعتراف رئيس الحكومة وبعض الوزراء بذلك، حيث جاء في كتاب وجهته "الأمانة العامة لمجلس الوزراء" إلى جميع الوزراء "أن رئيس الحكومة أثار ظاهرة تكدس معاملات المواطنين في شتى أنحاء الوزارات، والإدارات الحكومية، والتي لا يتم تخليصها إلا بعد الحصول على رشوة من صاحب المعاملة"! (الراي 17 فبراير 2015). علاوة على ذلك، فإنه قد سبق أن اعترف رئيس الحكومة، وكأنه غير مسؤول سياسيا عن ذلك بحكم منصبه، أن غالبية "القياديين" في أجهزة الدولة قد تبوءوا مناصبهم عن طريق "الواسطة" لا نتيجة كفاءتهم أو جدارتهم!
أما وزير البلدية فقد كشف مؤخرا ما نصه "أن الرشوة والفساد تفشيا في البلدية، ويجب محاربتهما بطرق ووسائل غير تقليدية تخفيفا للعبء على المواطنين الذين أصبحوا لا يحصلون على حقوقهم ما لم يتكبدوا تكلفة خارج نطاق القانون". (القبس 27 إبريل 2015). وهنا لنا أن نتساءل عن ماهية دور الوزير، ومسؤوليته الدستورية والسياسية عن تفشي الفساد والرشوة في الجهاز التنفيذي الذي يقع تحت مسؤوليته المباشرة، لا سيما أنه قد مضى وقت غير قصير منذ توليه المسؤولية؟!ومن جانب آخر، فقد تناولت بعض وسائل الإعلام قبل أسابيع قليلة أن وزير التجارة السابق د.عبد المحسن المدعج قد ذكر في كتاب استقالته "أن الأجواء السائدة ومسارات العمل توضحان أن الحكومة غير جادة في تحقيق إصلاحات حقيقية، ومحاربة الفساد".إن اعتراف رئيس الحكومة والوزراء علنا بتفشي الفساد في الأجهزة الحكومية، وعجزهم عن مكافحته يُحملانهم مسؤولية سياسية ودستورية، إذ إن الاعتراف بانتشار الفساد، بعد سنوات من تولي المسؤولية، لا يعني إلا شيئا واحدا وهو الفشل في اتخاذ خطوات جدية ملموسة للقضاء عليه. والشعور بالمسؤولية السياسية يعني أن يتحمل رئيس الحكومة والوزراء تبعات الفشل وما يترتب عليه من نتائج، وهو ما يدفعهم، في الدول الديمقراطية، إلى الاستقالة من تلقاء أنفسهم، أو الإقالة أو المساءلة العامة وطرح الثقة، ثم معالجة الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الفشل في مكافحة الفساد، ولكن ذلك نادرا ما يحصل في واقعنا المحلي، وهو الأمر الذي يجعل مطالب الإصلاح السياسي الديمقراطي مطالب مُستحقّة ومُلحّة، إذ كما ذكرنا، مرارا وتكرارا، فإنه لا تنمية مع الفساد وبالذات الفساد السياسي.
مقالات
اعتراف حكومي بالفساد والرشوة ... ثم ماذا؟
04-05-2015