ما قل ودل: على هامش حكم «الدستورية» بالسماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للبرلمان (2-2)

نشر في 12-04-2015
آخر تحديث 12-04-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام أظن أن بعض الذين يتاجرون بقضية مزدوجي الجنسية هم أبعد من يكونون عن حب مصر، وأن هدفهم من إثارة هذه القضية هو احتفاظهم بقربهم من السلطة، ومن كل سلطة، فهم رجال كل العصور، يريدون الحفاظ على مكاسبهم من هذا القرب ومن تأثيرهم على قرارها، باحتكارهم صكوك الوطنية والولاء.

علماء مصر في حبها

تناولت في مقالي الأحد الماضي الجنسية والولاء للدولة، وتوجس البعض خشية من أن يكون ترشح مزدوجي الجنسية للبرلمان، وفق ما قضى به حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر، قد فتح الباب على مصراعيه للمال السياسي، الذي سوف يتدفق على مزدوجي الجنسية من الدول التي ينتمون إليها بجنسياتهم الأخرى لوصولهم إلى البرلمان، ورفضت المزايدة على وطنية صفوة عقول مصر من مزدوجي الجنسية وعلمائها، وعلى رأسهم د. مجدي يعقوب وعرضت لجزء من سيرته الذاتية النابضة بحب مصر.

ولا يتسع المقال الصحافي للسيرة الذاتية لكل علماء مصر لذلك سوف أقتصر على سرد بعض الأسماء لقامات مصرية من علمائها في الخارج.

وفي حب مصر تبرع الدكتور محمد العريان بـ30 مليون دولار لمشروع د. أحمد زويل القومي للنهوض بمصر في مجال العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، ويعتبر الدكتور العريان أكبر قامة اقتصادية على مستوى العالم، وهو المدير التنفيذي لأكبر شركة في العالم على صعيد إدارة الأصول الاقتصادية، وتقدر المحفظة المالية التي تديرها الشركة بأكثر من تريليون دولار.

ومن هذه القامات الدكتور فاروق الباز العالم المصري في وكالة ناسا ومعه د. عصام حجي عالم الفضاء المصري في هذه الوكالة، ويشرف على العديد من المهام العلمية لاكتشاف كواكب المجموعة الشمسية، والمهندس هاني عازر، الحاصل على الجنسية الألمانية، والذي صمم محطة قطارات برلين عام 2001 بطريقة غير مسبوقة ود. مصطفى السيد أول مصري وعربي يحصل على قلادة العلوم الوطنية الأميركية التي تعتبر أعلى وسام أميركي في العلوم تقديراً لإنجازاته في مجال النانو تكنولوجي وتطبيقه لهذه التكنولوجيا باستخدام مركبات الذهب الدقيقة في علاج مرضى السرطان.

ود. سمير بانوب وهو أبرز العلماء في مجال التنمية الصحية، وقد وضع خططاً للتنمية الصحية في 71 دولة عربية وأوروبية.

ود. شريف الصفتي العالم الكيميائي المصري، وأستاذ بجامعة "واسيدا" اليابانية، ويترأس المجموعة البحثية لعلوم المواد "النانومترية" بالمركز القومي لبحوث المواد الياباني، وقد أنقذ اليابان من كارثة "فوكوشيما" باستخدام تكنولوجيا "النانوميتر" في تنقية المياه من الإشعاع الذي سببه التسرب الإشعاعي لهذا المفاعل النووي.

ود.هاني مصطفى الذي يصنف ضمن أكبر العلماء في هندسة صناعة محركات الطائرات على مستوى العالم، ويمثل الحكومة الكندية في حلف الناتو، ويشرف على الأبحاث الهندسية في وكالة الفضاء الأميركية ناسا.

ود. محمد ذهني فراج أستاذ زراعة القلب المفتوح وزميل كلية الجراحين الملكية بإنكلترا.

وهي قامات كبيرة، لم تنسها مشاغلها العديدة جذورها المصرية، وهي غير قابلة للمزايدة على وطنيتها وانتمائها لمصر، وقد شكل الرئيس السيسي من هؤلاء العلماء وغيرهم من علماء مصر، مجلسا قوميا استشاريا للرئاسة.

احتكار صكوك الوطنية والولاء

وأظن أن بعض هؤلاء الذين يتاجرون بقضية مزدوجي الجنسية، هم أبعد من يكونون عن حب مصر، وأن هدفهم من إثارة هذه القضية هو احتفاظهم بقربهم من السلطة، ومن كل سلطة، فهم رجال كل العصور، يريدون الحفاظ على مكاسبهم من هذا القرب ومن تأثيرهم على قرارها، باحتكارهم صكوك الوطنية والولاء.

وهم من جرفوا الأرض الزراعية ليبنوا عليها مدنهم الصناعية والسكنية؛ مهددين بذلك الأمن الغذائي لوطن يستضيف كل يوم 5600 طفل، سوف يفتحون أفواههم لكل نبتة تخرج من أرض مصر الطيبة.

واشتروا ملايين الأفدنة من أرض مصر بـ"الملاليم"، وباعوها بالملايين لبسطاء المصريين، ورغم ذلك لم يسددوا ما عليهم من ديون للبنوك المصرية، وحولوا مليارتهم إلى البنوك في الخارج، ولوثوا مياه نهر النيل بمخلفات مصانعهم وسهلوا للمضاربين والمستثمرين الانتهازيين من المصريين والأجانب حصولهم على الأراضي والمناقصات والامتيازات والعقود والتسهيلات من البنوك مقابل الرشا التي حصلوا عليها نقداً أو عيناً.

واستوردوا اللحوم الفاسدة والمواد الغذائية التي لا تصلح للاستعمال الآدمي، وصنعوا الأدوية التي تخلو من المادة الفعالة، واستوردوا معدّات لمستشفيات الدولة تباع في الخارج على أنها خردة، وانتهى عمرها الافتراضي ليقيموا مستشفياتهم 5 و7 نجوم لا تعالج إلا الأثرياء ومن ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، ولتفترس الأمراض من ليست لديه قدرة على دفع نفقات العلاج.

وارتدى بعضهم مسوح الدين لتقسيم مصر إلى دويلات وإمارات تزرع الخوف والرعب في القلوب عندما استحلوا دماء الأبرياء بالقنابل والمتفجرات التي زرعوها في المناطق الآهلة بالسكان، أو استهدفوا بها رجال الجيش والشرطة باسم الشرع وتطبيق الشرع، وهم أبعد ما يكونون عنه، لأن الله لا يأمر بالقتل وسفك دماء الأبرياء.

وللفساد حسابات أخرى

ولعل ما طالعتنا به الأخبار من أن المحكمة الفدرالية بولاية نيويورك رفضت الدعوى التي أقامها أحد مزدوجي الجنسية، الدكتور أحمد بهجت واختصم فيها البنك الأهلي والدولة المصرية وطالبها بدفع مبلغ 36 مليار جنيه تعويضا بزعم إضرارها باستثماراته في مصر، وأصل النزاع يرجع إلى أنه عجز عن سداد الديون المستحقة على شركاته للبنك الأهلي ولم يلتزم بجدولة تلك الديون المتراكمة عليه منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقد أثار هذا الخبر حراكا سياسيا وجدلا حول الضوابط الواجب وضعها بعد صدور هذا الحكم للحد من تداعياته السلبية.

فقد استغل البعض هذا الحكم لينهال بمعوله على مزدوجي الجنسية، طعنا في وطنيتهم، ولا أنكر أن بعض هؤلاء وأولئك الذين خربوا الزرع والضرع، وارتكبوا كل ما ارتكب في حق مصر وشعبها، هم من مزدوجي الجنسية، فالقضية ليست في ازدواج الجنسية بل في نفوس مريضة أصابها السقم والعلل وخراب الذمم والضمائر، والطمع والجشع وحب الإثراء بلا سبب مشروع، وهو أمر لا يرتبط من قريب أو بعيد بمزدوجي الجنسية.

ومن ثم فإن أحمد بهجت أو غيره من بعض مزدوجي الجنسية الذين أسهموا في منظومة الفساد التي تفشت في مصر في الأربعين عاما الماضية، لا يجوز أن يكون وصمة عار في جبين كل مصري حصل على جنسية أخرى، ومنهم العلماء ومن ارتحل عن مصر بحثا عن عمل فعمروا العالم بعبق مصر.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top