{الانحدار إلى أرض الغرق}... حبٌّ وزمن وغرق

نشر في 05-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 05-01-2015 | 00:01
No Image Caption
بالعنوان اللافت {الانحدار إلى أرض الغرق}، أصدرت دار {مخطوطات} في هولندا الثلاثية الثالثة للشاعر العراقي نصيف الناصري. ويتضمن ثلاث مجموعات بالعناوين: «جمع الثمار}، و«التذمّر مِن المدينة الشغوفة بالطوفان}، و{ملاقاة الذين توافدوا لسلب الغرقى».
خلال ثلاثة أشهر عمل الشاعر العراقي نصيف الناصري بدأب فأصدر ثلاثيته الشعرية الثالثة {الانحدار إلى الغرق}. {أنا مغترب ومنفي منذ مجيئي إلى العالم»، قال واصفاً نفسه يوماً. هو  المخلص للشعر طوال حياته ولم يفرط به، المتخفي والهارب والمتشرّد لسنوات، يعالج في المجموعة الأولى {جمع الثمار} (ضمَّت 85 قصيدة) مشاهد الحياة اليومية حيث يتداخل الواقعي في الأسطوري، الحاضر في الماضي، السوريالي في الشعائري. متسلحاً بلغة غنية وثائرة، يحكي الشاعر عن الخسارة ويصوِّر خبراتنا ويغوص في أوجاع الحبّ والمرض ويطرق باب العائلة ويسابق الزمن.

أما المجموعة الثانية «التذمّر مِن المدينة الشغوفة بالطوفان} فتضمّ 83 قصيدة آتية مِن عالم الأحلام ومِن {السهر مع المحمولين في التوابيت}! هنا نقرأ صوراً سوريالية تصف الواقع وتبوح بالتاريخ، حيث تصافح المدنية المعاصرة الميثولوجيا وعوالم ما قبل التاريخ وما بعده.

المجموعة الثالثة {ملاقاة الذين توافدوا لسلب الغرقى» تحمل 46 قصيدة، عيناها على الإنسان، ووجعه وأمله الخائب غالباً. تحضر أيام الحب الذاهبة، والزمن الآتي من دون أن نمسكه به، الزمن الهارب من سجنه فيما نحن لا نفلح في الخروج من قوقعتنا. أما الغرق فهو السبيل الوحيد إلى تطهير الذات وإنقاذها.

في أحد الحوارات معه، قال الشاعر إنه أخيراً وجد الوقت الكافي للتأمل والقراءات العميقة وتطوير مشروعه الشعري عبر العزلة التي حرص عليها. بعد العودة من المدرسة الإجبارية، كان يغلق بابه ولا يلتقي أحداً. هو حاول، كما ذكر، التخلص دائماً من الماضي المؤلم الذي دمّر حياته في الحب والحنين والأشواق. والكتب التي أنجزها كانت الدليل على أنه أصبح أكثر دقة في عمله الشعري، بل في تنظيم حياته عموماً.

أكَّد الناصري على أهمية العزلة والبحث في حياة الشاعر. كان، كما بيَّن في أحد الحوارات معه، بعد نهاية دوام المدرسة اليومي يعود إلى البيت ويبقى إلى اليوم التالي مع القراءة والكتابة والموسيقى والتأمل وحيداً، وذلك طبعاً قبل تعرفه إلى الإنترنت. كان أحياناً يلتقي صديقاً أو أكثر أثناء النزهات المسائية لمدة معينة. في المدرسة، أثار انتباهه حديث سريع وجمل طويلة لا تنقطع في كلام الناس الذين يعيشون مثله بمفردهم. اكتشف أن العزلة تجعله يتكلم كثيراً جداً حين يلتقي الناس في الخارج للتعويض عن ساعات الصمت الطويلة في البيت.

مفتاح القصيدة الناجحة بالنسبة إلى الناصري هو الوعي الشعري الذي يتطوَّر باستمرار عبر التجارب والأحاسيس المختلفة، فمن خلاله تنتج لغة شعرية لافتة.

المجموعة الغنية جداً بصور متخيلة متتالية، إذ لا تنتهي صورة حتى تلحق بها صورة أخرى أكثر وهجاً وحضوراً، تقع في 395 صفحة من القطع المتوسط، والغلاف من تصميم ناصر مؤنس.

صدرت للشاعر العراقي نصيف الناصري سابقاً الكتب التالية:

{الأعمال الشعرية بمجلدين}،  {إرث الأرتال التي تندثر بلا أمل}، {معرفة أساسية – سيرة، الحرب، الموت، الحب، الشِعر}، «الثلاثية الأولى (في إنشاده لموته، الموتى بوفرتهم وغيابهم، الأحياء والموتى)، «الثلاثية الثانية} (تعلّقاً بما يفرط في الرغبة، رمي الحصباء على النجوم، تجميل التوابيت)، «الرباعية الأولى} (الحدود الجنائزية للزمن، دفع الديِّة، حواجز وكنايات، مناحاتهم على الغرقى).

أمضيت حياتي الشاحبة مختبئاً

من هذا وذلك تطاردني

سيول الديون

الآخرون امتلكوا الذهب

في المصارف

المنازل

السيارات

وكان البعض منهم

في الحرب ضباطاً

وسومحت أفعالم

في تعدد الزوجات.

لهم ما يعذبهم في الغمغمة

ولي المعيار في الشعر.

back to top