يختصر ساسة عراقيون المشهد الحالي بأنه واحد من أخطر اللحظات في التاريخ السياسي للبلاد، فهناك تنظيم غاية في الخطورة هو "داعش" لا يزال يحتل مدناً مهمة وكبيرة، وهناك أزمة اقتصادية تضع البلاد على حافة الإفلاس، وقد تتعاظم آثارها في اي لحظة، وهناك فوضى رهيبة داخل التوافقات السياسية قد تؤدي الى نتائج وخيمة، وتصنع اجواء انقلابية يصعب تخيل تداعياتها.

Ad

ووسط جدل عارم حول التعديل الوزاري، يجرب المناخ السياسي العراقي لأول مرة، كسر كل القواعد والتقاليد والذهاب نحو وضع جديد لا أحد يعلم ما هو على وجه التحديد، إذ لم يعد هناك توافق داخلي بالحد الأدنى يمسك بزمام الأمور، ولم يعد هناك دور خارجي بما يكفي يخفف النزاع رغم أن وزير الخارجية الاميركي جون كيري أجرى حوارات مع الجميع في بغداد خلال الايام الماضية.

أولى القواعد التي انكسرت هي اختفاء التحالفات التقليدية، وظهور مستويات تقارب جديدة تنهار خلال بضع ساعات أحيانا، لأن اهداف كل حركة تتغير صباح كل يوم خلال الاسبوعين الماضيين.

حتى ان بعض نواب مقتدى الصدر الخصم التاريخي لحزب الدعوة، وجدوا انفسهم على منصة واحدة مع أتباع نوري المالكي الأمين العام للحزب. والأغرب ان نوابا مقربين من اياد علاوي كانوا في حال مماثل رغم طلاقه المعروف لكل ما يمت للمالكي بصلة. وصار الاعداء الثلاثة جزءا من "محاولة انقلاب بيضاء" داخل البرلمان.

وتفكك الكثير من التحالفات بسبب انهيارات عسكرية ومالية طوال العامين الماضيين، وتراجع دور القيادات الكردية الى حد كبير، كما اختفى دور السُّنة تقريبا، ولذلك فان اكثر ما رشح المشهد لهذه الفوضى التي شاهدها العراقيون من داخل مجلس النواب مساء الثلاثاء، تعود في جزء كبير منها الى اختلال غامض في الهرم "النجفي" الذي يبدأ بمرجعية اية الله علي السيستاني، وينتهي بتياري مقتدى الصدر وعمار الحكيم، كعوائل تاريخية تكافح لملء الفراغات العديدة في البلاد.

فالمرجعية الدينية صامتة، والحكيم يتصرف بعيدا عن الصدر، أو هكذا يبدو، اما الصدر فلا احد يعلم ماذا يخطط بالضبط وهو يقترب جدا من رغبة شعبوية في الإطاحة بالنظام السياسي كرمز للفساد، رغم ما يعنيه هذا من ذهاب نحو المجهول، ورغم أن الصدر أكد انه سيلتزم بالدستور والقانون.

ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحصل، لأن العمل يتم بلا قواعد، والمواقف تتغير لحظة بلحظة، لكنّ هناك حقيقتين محرجتين للجميع: الأولى ان جناح نوري المالكي رئيس الحكومة السابق لم يستطع اقناع العبادي بمنحه نفوذا جديدا في المرحلة المقبلة، فقام بتحريك أسوأ النواب المنتمين لهذا الجناح، والمعروفين بالشغب، لتخريب شرعية البرلمان.

أما الحقيقة الثانية فهي ان الفوضى اذا خرجت من البرلمان ووصلت الى الشارع فسيكون اكبر مستفيد منها هو الميليشيات المقربة إلى جنرال الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، فهي تتربص منتظرة لحظة فوضى لكي تستعيد قوتها أمام الجمهور، بعد ان نجحت الدولة في تقييد جزئي لها.