مصر التي في خاطري

نشر في 22-02-2016
آخر تحديث 22-02-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم مصر التي في خاطري وفي قلبي، تلك التي عايشتها منذ مرحلة الطفولة والصبا والشباب والنضج حتى الآن، أي أنها كانت تكبر في عيني وعمري وقلبي، كلما كبرت كبر حبها معي، حتى إني لم أعد أعرف أسباب حبي لها، رغم سفري وترحالي الدائمين في مدن وأماكن تفوقها في الجمال والراحة التي توفرها للسائح والمقيم، إلا أن مكانتها في قلبي لا يغيرها أي شيء كان.

عرفتها وهي تنمو مع الرئيس جمال عبدالناصر، وتكبر عزتها وتزهو معه، وترتفع معه الروح الوطنية داخل مصر وخارجها، فقد كان عبدالناصر رمزا عظيما وحَّد قلوب المصريين والعرب برباط القومية العربية، التي قوَّت عزيمتهم ووحدتهم برباط العروبة بحق وحقيق، ربما كان ذاك الوقت هو أكثرها التحاما وترابطا فيما بينها، وكان عصر القومية العربية الذهبي.

في ذاك الوقت كانت ثقة المواطنة المصرية في أعلى مستواها، حيث كان المصريون يفتخرون بحبهم وانتمائهم لمصرهم، فالفلاح ملك أرضه، والعامل والصانع وجدا مكانهما في المصانع العديدة التي أُنشئت في زمن عبدالناصر من الصناعات الخفيفة وحتى الثقيلة الضخمة، المتمثلة في السيارات والمعدات الحربية الثقيلة إلى الصواريخ، ما رفع الروح المعنوية والكرامة الإنسانية للمصري، وهذه المرحلة التي عرفتها في طفولتي وصباي وكنت أعشقها وأفتخر بها، وكأنها لي وأنا منها.

مرحلة السادات، لا أتذكرها، وليس لي أي انطباع عن مصر "الساداتية"، ربما بسبب حروب الاستنزاف لم تسهل السياحة في ذاك الوقت، وليس لدي أي سبب واضح يبين لي ظروف هذا الانقطاع عنها.

مرحلة مبارك كانت بالنسبة لي أجمل مراحل حياتي التي عشتها في مصر، وخاصة في بدايتها، أي سنوات الحكم الأولى، حيث اشتريت بيتاً فيها، وعشت سنوات طويلة لم تنقطع زيارتي لها في كل عام، وكانت في بدايتها سنوات الانفتاح والتغير والرخاء المادي خاصة للطبقات الثرية، هذه المرحلة ازداد الثراء للقلة، والفقر للأغلبية، وخاصة مع الزيادة الهائلة للسكان، وظهور العشوائيات وتطويقها لمدينة القاهرة، وتفشي ظاهرة أطفال الشوارع، الذين باتوا بالملايين، ينامون ويأكلون ويتناسلون ويتعاطون المخدرات ويتسولون في الشوارع، حتى أصبحوا يمثلون خطرا حقيقيا يطوق المدينة من كل جهاتها، ولم ينتبه لهم المسؤولون في الدولة، وتركوهم في هذه الأوضاع الصعبة يتزايدون، ما جعل الفقر في سنوات حكم مبارك الأخيرة تراه مرسوما على الوجوه بشكل واضح، وخاصة مع اضمحلال واختفاء الطبقة المتوسطة، التي كانت رمانة الميزان ما بين الطبقة الثرية والفقيرة، وأصبح المجتمع مقسوما ما بين طبقة شديدة الثراء، وربما هم لا يتجاوزن العشرة في المئة، والباقي فقراء، حتى في آخر سنتين لحكم مبارك كنت أرى الفقر يصرخ على وجوه الناس فيها.

آخر زيارة لي كانت في مؤتمر الرواية قبل ثورة 25 يناير، بعدها انقطعت عن زيارتها مدة خمس سنوات، هي المرة الأولى التي أنقطع عنها، بسبب الأوضاع المتوترة فيها، رغم حنيني الدائم لها إلى أن كتب الله لي هذه الزيارة الأخيرة التي تمت في معرض الكتاب المصري لهذا العام.

ماذا أقول عن مصر التي في خاطري الآن، وأقصد بها مدينة القاهرة العظيمة، التي هي أم العواصم العربية وقلبها النابض، ماذا أقول عنها وأنا أراها تشيخ معي وتهترئ بنيتها التحتية، وتتشوه صورتها المعمارية بهذه العشوائيات البشعة التي تتمدد بشراسة حولها وفوقها، وبها بكل هذه المباني المتهالكة.

صحيح هناك مدن جميلة كبيرة انتشرت في الصحراء، لكنها لن تحتل، وليس باستطاعتها إلغاء دور القاهرة السياحي المهم، فلا تملك عظمة النيل ولا الأهرامات ولا المتاحف ولا التراث التاريخي العظيم، كل ما تقدمه هو السكن الفاخر، وهذا لن يخدم السياحة بشيء.

تمنيت أن تُفرغ القاهرة من سكانها، لحين إعادة صيانتها، بعد التخلص من عشوائياتها، بإسكانهم في مدينة تُبنى لهم، بحيث تبعدهم عن قلب العاصمة، وأن تبقى القاهرة مدينة عظيمة ذات مردود سياحي كبير، لأنها متحف عالمي بمعنى الكلمة بكل حجر فيها.

فمتى ينتبه لها المسؤولون عنها؟ فهي مصدر الدخل السياحي الأول لمصر، لو أُحسن صيانتها، وخاصة بنيتها التحتية، المتمثلة في شبكة الطرق والمباني المتهالكة التي تنتظر لمسة تعيد إليها جمالها.

back to top