خلال الأشهر الثلاثة التي أعقبت رفع الولايات المتحدة حظر تصدير النفط الذي استمر 40 عاماً حدث شيء غريب ولافت. فبدلاً من أن يغرق النفط الأميركي الأسواق العالمية توقفت الشحنات الى المشترين الأجانب. وفي الوقت ذاته قفزت المستوردات النفطية الى الولايات المتحدة الى أعلى مستوى بلغته في ثلاث سنوات فيما يبدو مثل هبوط يعادل سنة من الخام الأجنبي المستورد الى الأسواق الأميركية.

Ad

واعتباراً من 25 مارس الماضي بلغ متوسط المستوردات لأربعة أسابيع 7.9 ملايين برميل في اليوم مرتفعاً بنسبة 9.8 في المئة عن سنة خلت. ويقول تيم ايفانز وهو محلل طاقة لدى سيتي فيوتشرز «هذه ليست صورة أسبوع واحد، نحن نشهد نمطاً متساوقاً».

المنتجون الأميركيون الذين قطفوا مكاسب ثورة الزيت الصخري لم يعد في وسعهم التمتع بميزة سعرية في مواجهة المنافسين الأجانب في البيع إلى المصافي المحلية. وقد هبط الإنتاج بنحو 600 ألف برميل يومياً عن مستوى الذروة الذي وصل الى 9.6 ملايين برميل في سنة 2015. وتشتري المصافي الآن النفط الأجنبي للتعويض عن الانتاج المفقود في الولايات المتحدة، كما تقوم مع التجار بتخزين كميات كبيرة من النفط المستورد الأقل ثمناً بغية بيعه عندما ترتفع أسعاره.

وخلال السنوات الأولى من ازدهار ثورة الزيت الصخري في الولايات المتحدة واجهت الملايين من براميل النفط الخفيف والحلو مشكلة كبيرة واحدة هي: عدم وجود امكانية وصول محتملة الى المصافي المطلة على سواحل تكساس ولويزيانا. وبغية النقل من مراكز النفط الأرخص في أوكلاهوما بدأت خطوط الأنابيب التي كانت تنقل النفط المستورد من الخليج بنقل الزيت الصخري الى الساحل. وبدأ أصحاب المصافي في فيلادلفيا ونيو جيرزي أيضاً بشراء خام داكوتا الشمالية بدلاً من النفط الأجنبي ونقله بالقطارات عبر البلاد. وبحلول شهر اكتوبر 2014 هبطت مستوردات الولايات المتحدة بنحو 40 في المئة عن المستويات العالية في عام 2006.

ويقول محللون إن نفط غرب تكساس الوسيط يجب أن يكون أرخص بثلاثة دولارات الى خمسة دولارات من النفط المستورد لتغطية نفقات بناء تلك الأنابيب وتكاليف النقل. ومن سنة 2011 الى 2014 كان متوسط سعر النفط الأميركي أرخص بـ 12.61 دولار من مثيله من النفط الأجنبي. ثم ضاق نطاق الخصم بصورة بطيئة مع اكتمال مشاريع خطوط الأنابيب وبدء تدفق الخام الأميركي بقدر أكبر من الحرية من وسط البلاد الى ساحل الخليج.

 وقبل أسبوع من موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على رفع حظر التصدير في 18 ديسمبر الماضي كان نفط غرب تكساس الوسيط يتداول عند سعر يقل 3 دولارات عن خام برنت. وخلال الشهر التالي اختفى الخصم، ولأول مرة في ست سنوات كان نفط غرب تكساس الوسيط يتداول بسعر أعلى من برنت لبضعة أيام في شهر يناير. ويبلغ سعر نفط غرب تكساس الوسيط الآن أقل من دولار عن النفط الأجنبي المعروض في ساحل الخليج.

وهكذا اختارت مصافي السواحل شراء النفط المستورد بدلاً من خام غرب تكساس الوسيط. وكانت نيجيريا واحدة من أكبر الرابحين، وقد استعادت حصتها السوقية المفقودة، كما أن المستوردات من نيجيريا ارتفعت الى 559 ألف برميل في اليوم في منتصف شهر مارس مقارنة مع متوسط بلغ 52 ألفا على مدى سنة 2015. وأخذت المصافي أيضاً المزيد من النفط الثقيل من المكسيك وفنزويلا – وهو ليس فقط أرخص بنحو 9 دولارات في البرميل عن نفط غرب تكساس الوسيط بل إنه أيضاً النوع الذي تفضل المصافي الأميركية معالجته.

وتتمثل مفارقة ازدهار الزيت الصخري والخام الخفيف في حدوثها في وقت كانت المصافي الأميركية قد أنفقت مليارات الدولارات على معالجة النفط الثقيل. ويقول كيفن بوك وهو مدير اداري لدى كلير فيو انرجي بارتنرز Clear View Energy Partners «من وجهة نظرية كانت هناك دائماً صلة بين تحرير النفط الأميركي واستبداله بخام أجنبي أكثر ملاءمة للمصافي الأميركية».

وبالنسبة الى بعض المنتجين الأميركيين الأقل أهمية من ذوي التكلفة الأعلى لم يشكل رفع الحظر أهمية تذكر لأنهم غير قادرين على المنافسة في الأسواق العالمية أصلا، بحسب أبودي زين المؤسس المشارك في كليبر داتا التي تستخدم معلومات رصد شحنات النفط في تقدير تدفقات النفط العالمية. وبالنسبة الى المنتجين الأميركيين من ذوي التكلفة الأعلى «فإنهم لن يتمكنوا مطلقاً من التصدير لأنهم دخلوا فجأة في منافسة مع السعودية والعراق».

وقد خزنت الولايات المتحدة كميات كبيرة من النفط المستورد، واعتباراً من 25 مارس الماضي وصلت المخزونات التجارية في الولايات المتحدة الى 534 مليون برميل وهو رقم يقارب أعلى مخزون على الاطلاق في سنة 1929 عندما وصل المخزون التجاري الى 545 مليون برميل مع مصادفة اكتشافات النفط الضخمة مع بداية الركود الكبير.

واليوم ومع وجود النفط الرخيص اختار المنتجون والتجار الانتظار حتى ترتفع الأسعار بدلاً من البيع خاصة مع صدور مؤشرات من الأسواق الآجلة تفيد بأن الأسعار سوف ترتفع. ويبلغ سعر برميل نفط غرب تكساس الوسيط تسليم شهر أكتوبر نحو 3.50 دولارات أعلى من السعر الحالي البالغ ما يقارب 39 دولاراً، وقد هبط في الأشهر الأخيرة ولكنه يظل كافياً لتغطية نفقات التأمين والتخزين مع قدر من الفائض.

ويقول فيليب فيرليغر وهو مستشار طاقة ومدير سابق لمكتب سياسة الطاقة في وزارة الخزانة الأميركية «الاحتفاظ بالنفط هو أحد الطرق القليلة التي تخلو من المخاطر في العالم في الوقت الراهن». كما أن المخاوف من نقص أماكن تخزين النفط لم تتحقق. واعتباراً من شهر سبتمبر الماضي كان لدى الولايات المتحدة مساحة تخزين للنفط تبلغ 551 مليون برميل وهي أكبر بـ 50 مليونا من تلك التي كانت موجودة قبل عامين، بحسب أرقام حكومية. وتشير تقديرات شركة جينسكيب Genscape التي ترصد حركة السوق الى أن وتيرة البناء في الغرب الأوسط ومنطقة ساحل الخليج قد ازدادت منذ شهر سبتمبر الى نحو 574 ألف برميل من التخزين الجديد  وهو ما يكفي لإضافة 747 برميل أسبوعيا.

وقد ساعدت عمليات البناء على إبقاء تكلفة التأجير متدنية بشكل نسبي، بحسب ارني باراسيميان، وهو رئيس لدى ذي تانك تايغر لوساطة التخزين. ويراوح متوسط سعر تأجير لسنة من أحواض التخزين بين 60 سنتاً و70 سنتاً للبرميل في الشهر. ويقدر باراسيميان ان تكلفة بناء حوض تخزين تبلغ ما بين 40 دولاراً و50 دولاراً للبرميل وان الشركات التي تملك تلك الأحواض تستطيع استعادة أموالها خلال نحو خمس سنوات.

وما دامت الأسعار الآجلة أعلى من الأسعار الراهنة سوف يظل الحافز متمثلاً في استخراج النفط وتخزينه وهو ما يترك الولايات المتحدة عالقة في نمط غريب يتمثل في أنه «كلما ازدادت كمية التخزين كلما ازداد الضغط على أسعار الأجل القريب والذي يفضي الى زيادة الحافز لتخزينه»، بحسب ايفانز من سيتي فيوتشرز. ويقول فيرليغر إن الطريقة الوحيدة لكسر تلك الدورة تكمن في رفع معدلات الفائدة التي سوف تزيد من كلفة التمويل لبناء أحواض تخزين، «وما دامت الأموال رخيصة يصبح من المنطقي بناء أحواض تخزين في الولايات المتحدة».

ماثيو فيليبس