دانيال جينادري في متحف سرسق... لوحات تذكّر بوجه لبنان الحقيقي
ينظم متحف سرسق معرضاً فردياً للرسامة التشكيلية اللبنانية دانيال جينادري (يستمر حتى 18 أبريل 2016)، يضم مجموعة من اللوحات نفذتها في نيويورك، وتسرح فيها بين اللوحة والرسم، محوّلة الطبيعة إلى ملعب ستكشف فيه عمل الذاكرة والهجرة والحركات التي تؤثر في علاقتنا مع الصورة. وجهات نظر متعددة، صور لامركزية وأطر متغيرة تجتمع كلها في عمل يتسم بطريقة جديدة وجميلة في تلقي المعلومات بعيداً عن وسائل التشويه الرائجة في هذا الإطار.
في لوحاتها تعيد الرسامة التشكيلية صياغة المناظر الطبيعية المألوفة في لبنان، وتترك لخيالها المجال لإعادة تشكيل الصور واستدعائها ضمن إطار سينمائي، من ناحية تتابع المشاهد، فتكوّن ذاكرة جماعية لجماليات الطبيعة اللبنانية وليس للبشاعات المفروضة عليها.شاركت دانيال جينادري في ورش عمل في متحف برونكس، أندرسن رانش أرت سنتر، فوندازيوني راتي (إيطاليا)، فرانز مازريل سنتروم (بلجيوم). وبين 2013 و2014 أمضت فترة في بريتيش سكول في روما.آخر معارضها شملت نيويورك، لندن، أمستردام، بيروت، روما وبينال متحف برونكس الثاني... نالت جينادري البكالوريوس في الفنون والآداب، في دارتموث كوليج (2002)، والماجستير في Slade School of Art في لندن (2008). نالت جائزة باسيل. ه. القزي في التفوّق في الرسم.طبيعة من الخيال صحيح أن دانيال جينادري ولدت في الولايات المتحدة الأميركية وترعرعت فيها، إلا أنها تحاول باستمرار الانتقال بريشتها إلى لبنان، وتنهل من لعبة الضوء التي تميز المناظر الطبيعية اللبنانية، لتبتكر طبيعة من خيالها وكما تحلم بها، مستخرجة عناصرها من الذاكرة، لذا الناظر إلى اللوحات لا بد له من أن يلاحظ بأن المشاهد لا تنتمي إلى منطقة معينة بل هي جزء من الطبيعة التي نجدها أينما حللنا في لبنان.تنبض اللوحات بإحساس داخلي يحرك ريشة الرسامة التشكيلية ويولّد لديها صوراً جمعت تفاصيلها من فكرة سمعتها أو صورة رأتها أو حكاية قرأتها عن هذا الوطن الذي أحبته رغم بعدها عنه.في معرضها الأخير، تبدو اللوحات مغمورة بنور الشمس، وتزهو باحتفال بصري مرئي وفني يمزج الواقع بالحلم بهدوء، لكأن دانيال تخشى على الطبيعة التي تبتكرها في لوحاتها من ان تلوثها الأقدام، فحرصت على إضفاء غلالة أو وشاح يحمي براءتها وأصالتها من أي تشويه...تدرجات لونيةالناظر إلى لوحات دانيال جينادري يشعر براحة، ويسبح بفكره وعينيه بعيداً، في المدى الذي يوفره له تأليف اللوحة ومشهديتها التي تدخل المتعة إلى الناظر وتنقله بعيداً جداً عن الواقع، هكذا برمشة عين، كل ذلك عبر تدرجات لونية هادئة تحمل في طياتها تأثيراً مباشراً بالفء المستمد من الطبيعة الأم، الطبيعة رمز العطاء، الطبيعة الملجأ، والطبيعة الملهمة.من قمة الجبل إلى عمق الوادي، ترتفع ريشة الرسامة وتسمو وتهبط إلى عمق الحياة والواقع، وفي رحلتها هذه تلتقط الجماليات، الخصائص التي تميّز الطبيعة اللبنانية، وهويتها الخاصة والفريدة القائمة على لعبة النور والظل غير الموجودة في أي طبيعة في العالم، لذا تنبض بالحركة وتشع ألوانها حياة... تتوهج اللوحات وتسرق من الصيف حرارته ومن الخريف هدوءه ومن الشتاء جنونه ومن الربيع تجدد الحياة فيه، وتبتكر عالماً خاصاً تجمع فيه جينادري كل ما يعتمل في نفسها من حب للجمال، وتفيء إليه كلما انتابتها الغربة وسيطر الحنين على فكرها وقلبها.صحيح ان دانيال جينادري تتلاعب بالتشكيل، إذا صحّ التعبير، لكن هذا التلاعب بالذات يدفعها إلى استنباط أعماق المناطق اللبنانية ورسم مشاهد مركبة جميلة تثير الفضول إلى استكشاف هذا الواقع بالذات، والبحث عن سماته، فتشرك بذلك المشاهد في لعبة الخلق من خلال تفاعله مع المشهد أمامه.القرى، البراري، الغابات، الوديان... تبدو كلها حاضرة في اللوحات، لكن حضورها هذا ملتصق بشخصية الرسامة وعواطفها وتفاعلاتها، لذا لا نرى هذه الطبيعة بالذات في لوحات رسامين آخرين، بل هي وقف على جينادري وريشتها التي تتقن رسمها بهذه الطريقة. شاعرة اللون هي دانيال جينادري، تعزف على أوتاره سمفونية مستوحاة من جمال لبنان الذي يبقى عصياً على كل مظاهر التشويه فيه، وربما ارادت ان يكون معرضها في هذا الوقت بالذات للتذكير بأن التشويه المفتعل في لبنان لن يطاول عمق جمالياته ولن يقوى على طبيعته المقاومة عوامل الزمن والإنسان...