فكرة إنشاء المحاكم الاقتصادية يجب أن ترى النور سريعاً لتلافي التأخير في الفصل بين المنازعات التجارية.

Ad

طوت محكمة التمييز يوم الثلاثاء الماضي واحداً من أطول ملفات النزاع التجاري في الكويت، وهو قضية سحب وزارة التجارة والصناعة في عام 2006 المنطقة التجارية الحرة من الشركة الوطنية العقارية التي استمرت أكثر من 10 سنوات ما بين إدارة الخبراء ودرجات التقاضي الكلية والاستئناف والتمييز.

وبغض النظر عن نتيجة الحكم، فإن مدة 10 سنوات للتقاضي في نزاع تجاري مدة ليست طويلة فقط - خصوصاً لما سببته من ضرر للعديد من المستثمرين - إنما أيضاً تعكس صورة سيئة لدولة لا ينفك كبار مسؤوليها الاقتصاديين عن الحديث عن ضرورة استقطاب الأموال الأجنبية وتحفيز رؤوس الأموال المحلية على الاستثمار الداخلي، فضلاً عن سعي الدولة لطرح العديد من مشاريعها عبر نظام "B.O.T"، وهو النظام نفسه الذي طرح من خلاله عقد المنطقة التجارية الحرة، مما يعطي انطباعات سيئة للمستثمر المحلي أو الأجنبي بأن أي نزاع محتمل مع الدولة في مشاريع قادمة كالموانئ والمطارات والمشروعات الكبرى سيمتد فترات طويلة، مما يقلل من إقبال المستثمرين على مثل هذه المشاريع ويزيد من مخاوفهم تجاه البيئة القانونية في الكويت.

بيئة مرنة

ولعل وجود بيئة قانونية مرنة وسريعة تراعي حقوق الدولة والمستثمرين لا تقل أهمية عن عدالة القضاء وإنصافه بين المتنازعين، فلكي تكون الدولة مرغوبة للمستثمرين عليها أن تجعل نظامها القضائي مرناً في التعامل مع القضايا المستجدة في الساحة الاقتصادية، بدلاً من أن تحصر كل القضايا في المحاكم نفسها، مما يسبب تأخيراً في بت قضايا تهم مصالح الدولة والمستثمرين، إلى جانب أن الدولة لو كانت هي التي خسرت في قضية المنطقة التجارية الحرة، فإن التوقعات كانت عالية من جهة طلب الشركة المتضررة تعويضات عن خسائر 10 سنوات تتجاوز مليار دينار!

لذلك تأتي فكرة "المحاكم الاقتصادية" إلى جانب محكمتي "أسواق المال والتجارية" كآلية تسريع لتلافي التأخير في بت النزاعات القائمة.

ولعل فكرة المحاكم المتخصصة في القضايا المالية والاقتصادية والتجارية ليست جديدة، وهي معمول بها في العديد من الدول بحيث تكون جزءاً من السلطة القضائية لا خارجها، ولكن لطبيعتها الفنية المتخصصة تكون الآلية فيها ذات جانب مستقل، مع التشديد على أن تكون إجراءات الفصل في المنازعات محددة بوقت معين، كمثال قانون محكمة الأسرة الذي يحدد مدداً لبت النزاع العائلي، من دون الوصول إلى درجة التمييز أو قانون الانتخاب الذي يحدد مواعيد للفصل في الطعون التي تقام على جداول الناخبين، وهكذا مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن يواكب إنشاء المحاكم الاقتصادية إعادة نظر في أي قوانين أو إجراءات تعرقل إقرار الحقوق لمستحقيها.

محاكم متخصصة

ولعل وجود محاكم اقتصادية متخصصة سيسهم ليس في سرعة حل النزاعات والخلافات المالية والاستثمارية فقط، بل أيضاً في خلق مهنية لدى الجهاز القضائي في التعامل مع هذه النوعية من القضايا، وبالتالي ستختصر وقت المنازعات التي يمكن أن تنشأ لاحقا في طرح أي من المشاريع وفق نظم "B.O.T" أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، خصوصا أن المؤسسات الحكومية التي تتولى هذه المشاريع معظمها حديثة التأسيس كهيئة الشراكة أو هيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي، وبالتالي تكون خبرتها في التعاطي مع المستثمرين، خصوصا الأجانب، محدودة نسبيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى منازعات قضائية غير متوقعة، لذلك تكون الحاجة إلى المحاكم الاقتصادية المتخصصة أكبر خلال المستقبل القريب.

وعندما تتحدث الدولة عن عمليات خصخصة تشمل حتى القطاع النفطي ومشاريع لطرح الموانئ والمطار ومحطات الكهرباء والماء وحتى المدارس والمستشفيات للقطاع الخاص، فإن أقل خطوة يمكن أن تضمن حقوق الدولة تكون في وجود محاكم متخصصة تمتلك السرعة والمهنية في التعاطي مع مستجدات الوضع الجديد، فعمليات الاستثمار اليوم ليست ببساطة "بيع وشراء"، بل هي عقود والتزامات مالية وقانونية معقدة وتحتاج إلى التخصص والممارسة كخيار أفضل من العمومية وما يرتبط بها من روتين يصيب حتى الجهاز القضائي.

المطلوب هو الإسراع في إيجاد البنية القانونية والقضائية معا لإيجاد محاكم اقتصادية مستقلة على غرار نموذج محاكم الأسرة تضم بينها الدوائر التجارية والأسواق المالية وهيئات التحكيم القضائية، ويتولى الفصل بها قضاة متخصصون لا يكلفون برئاسة دوائر قضائية أخرى، ويلحق بها نظام للتقاضي يتناسب مع طبيعة الفصل السريع مع تلك النزاعات، ويكفل حقوق المتقاضين، ويحدد لها عمرا زمنيا تنتهي بموجبه تلك النزاعات.