يعاني سوق النفط ما هو أكبر من أزمة طلبٍ في السوق، إذ خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي للعام الحالي بنسبة 0.2%، وللعام المقبل بـ0.1%، وذلك بسبب "حالة عدم اليقين في العالم، وتزايد المخاطر الناجمة عن ضعف آفاق النمو العالمي".

Ad

يلتئم في العاصمة القطرية الدوحة مطلع الأسبوع المقبل الاجتماع الثاني بين كبار منتجي النفط في العالم (منظمة أوبك وروسيا) إضافة إلى دول غير أعضاء في "أوبك" مثل عمان وأذربيجان، لبحث خيارات الإنتاج، وفائض السوق النفطي، والأسعار في الأسواق العالمية.

ورغم أن اجتماع الدوحة الأول في فبراير الماضي، الذي ثبّت إنتاج المجتمعين عند سقف يناير 2016- القياسي أصلاً- لم ينعكس بصورة ملموسة على سوق النفط، فإن اجتماع "الدوحة 2" لا يزال في إطار تثبيت الإنتاج لا خفضه، خصوصاً في ظل رفض إيران والسعودية القاطع- مع اختلاف الأسباب- لأي خفض في الإنتاج، مع توجه روسيا إلى رفع صادراتها النفطية إلى أوروبا في أبريل الجاري لأعلى مستوى منذ 2013، رغم عزم موسكو، التي لم تتراجع مستويات إنتاجها عند يناير إلا بشكل طفيف، التوقيع على اتفاق الدوحة لتثبيت الإنتاج كخيار لرفع سعر الخام!

أثر محدود

وحسب استطلاعات "رويترز" الشهرية فإن أثر الاتفاق الأول كان محدوداً للغاية على الأسواق، إذ تراجع إنتاج النفط في دول "أوبك" بشكل طفيف في فبراير (32.37 مليون برميل يومياً مقابل 32.65 مليوناً في يناير الماضي)، لكنه عاد إلى الارتفاع بشكل طفيف أيضاً في مارس الماضي إذ بلغ 32.47 مليوناً مقابل فائض معروض في السوق يناهز مليوني برميل يومياً، لذلك لم يحدث تغيير جوهري في أسعار النفط عالمياً، ولم ينعكس على مستويات الطلب، لأن الأثر الخاص بتثبيت الإنتاج ظل في أدنى مستوياته في السوق.

ورغم أن أسعار النفط العالمية ارتفعت بعد قرار تجميد الإنتاج في فبراير 18 في المئة خلال مارس الماضي على أساس شهري، فإنه لا تزال الأسعار من بداية العام تقل بـ40 في المئة عن مستواها في نفس الفترة من العام السابق، نتيجة للزيادة المستمرة في إمدادات النفط وارتفاع مستويات مخزونات الخام التجارية.

جرعة سياسية

ويتواصل حديث بين المحللين في أسواق النفط العالمية عن وجود جرعة سياسية تتعلق بملفات متفرقة في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية وإيران، تعوق أي اتفاق حقيقي لخفض الإنتاج بما يضمن إعادة التوازن إلى السوق، ورغم وجاهة هذه الجرعة وإمكانية رصدها في تصريحات العديد من المسؤولين فإنها ليست السبب الحقيقي الذي يضغط على السوق، إذ تبدو عوامل الانخفاض أكثر جدية من مجرد خلاف سياسي بين دولٍ تستخدم الإنتاج وسيلةً لتحقيق أهدافها.

سوق النفط يعاني ما هو أكبر من أزمة طلبٍ في السوق، إذ خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي للعام الحالي بنسبة 0.2 في المئة وللعام المقبل بـ0.1 في المئة، بسبب "حالة عدم اليقين في العالم، وتزايد المخاطر الناجمة عن ضعف آفاق النمو العالمي"، وكان الصندوق قد توقع في يناير الماضي أن يكون النمو العالمي للعام الحالي 3.4 في المئة وللعام المقبل 3.6 في المئة، لكن التوقعات الجديدة تجعل النمو عند حاجز 3.2 في المئة و3.5 في المئة.

هذا التراجع المتوقع في النمو العالمي انعكس على الصين، مثلاً، كأحد أكبر مستهلكي النفط التي بات الطلب لديها متراجعاً إلى مستويات متدنية إلى 6.9 في المئة لعام 2015 مقابل 7.8 في المئة لـ2012 و9 في المئة لـ2009، ومجمل تلك العوامل لها أثر على أسعار النفط أكبر بكثير من تأثيرات خلافات سياسية بين المنتجين، فضلاً عن الضغط الذي يسببه فائض المعروض النفطي في السوق، وفشل "أوبك" في تحقيق أحد أهدافها المعلنة كإزاحة المنتجين غير التقليديين (منتجي الصخري).

مراجعة السياسات

من المفيد، مع قرب دخول العام الثاني، أن تراجع "أوبك" سياساتها- بالتوافق مع بقية المنتجين- تجاه رفض خفض الإنتاج بالتوازي مع أزمة الطلب العالمي الناتجة عن تباطؤ النمو الاقتصادي في العالم، إذ إن هذه السياسات لم تنعكس إيجاباً بشأن تحقيق أهداف "أوبك" المعلنة التي تتمثل بتقليص الفائض بسوق النفط أو إزاحة منتجي النفط الصخري، حيث لا يزال العرض في السوق أكثر من الطلب بنحو مليوني برميل يومياً، إلى جانب عدم تراجع إنتاج النفط الصخري عالمياً بأكثر من 20 في المئة، رغم انخفاض عدد منصات الحفر بنحو 55 في المئة، لكنه لم ينعكس على حجم الإنتاج الصخري بدرجة كبيرة، وإن أثّر بدرجة أكبر على تمويل عمليات الاستكشاف.

التركيز في اجتماع الدوحة يجب أن يكون على خفض الإنتاج بما لا يقل عن 5 في المئة، عندئذ ستتوازن الأسعار في السوق على المدى المتوسط، لكنها لن تنتعش، لوجود عوامل أعمق تتعلق بتراجع النمو الصيني وسياسات التقشف الأوروبية، ونمو الإنتاج الأميركي، ومقاومة النفط غير التقليدي (الصخري)، لذلك فإن جهد المنتجين يجب أن ينصب على إعادة التوازن إلى السوق، على الأقل، وهو أمر لا تحققه مستويات يناير، ولا حتى متوسطات إنتاج الربع الأول من العام الحالي، لأنها مرتفعة أصلاً.

دول "أوبك"، خصوصاً الخليجية منها، تعتمد على النفط بشكل مبالغ فيه في موازناتها السنوية، وبالتالي يجب أن تتعامل مع ثروتها النفطية كاحتياط أجيال، لا أن تتجه إلى رفع مستويات الإنتاج في ظل هذه الأسعار المنخفضة، والأولى هنا أن يكون العمل على خلق إصلاحات اقتصادية على المدى الطويل تقي هذه الدول مخاطر تقلبات الأسواق أو التراجع في الدول المستهلكة، فضلاً عن المنافسة، التي تتصاعد في سوق النفط بين المنتجين التقليديين وغير التقليديين، فضلاً عن تصاعد نمو الطاقة المتجددة كمنافس للطاقة التقليدية خصوصاً في أسواق آسيا وأوروبا.