الاهتمام بالشباب وكسبهم وتعليمهم وتأهيلهم وتمكينهم ومن ثم استثمار طاقاتهم فيما يعود بالنفع على دولهم ومجتمعاتهم من أولويات خطط التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تولي الشباب عناية خاصة، فأنشأت للشباب وزارات خاصة بهم وبشؤونهم، انطلاقاً من أن قضيتهم قضية أمن وطني، فهم أعظم ثرواتنا غير الناضبة والمتجددة دائماً، وهم الأغلبية عدداً، وهم الطاقة الناشطة والخلاقة التي تشكل عصب خطط التنمية ومرتكز مشاريعها، وهم المستقبل، لذلك فإن ما يستثمر في تعليمهم وتزويدهم بالمعارف والمهارات المختلفة وفي توفير كل السبل التي تساعد على الارتقاء بقدراتهم المعرفية والتقنية، من خلال تعليم عصري متقدم ومرتبط باقتصاد المعرفة، ينمي التفكير النقدي، والعقلية الابتكارية المحصنة من أفكار الغلو والتطرف، والمنفتحة على ثقافة العصر ومعطيات الحضارة المعاصرة ومقاصد الشريعة الإسلامية، هو الاستثمار الأبقى والأجدى والأولى. إن كل ذلك يتطلب فتح المجال أمام الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والشركات والمؤسسات، للتعاون مع الجهات الرسمية المعنية، في رعاية الشباب وتنمية مواهبهم وقدراتهم وإمكاناتهم، إضافة إلى إطلاق المبادرات التي تستهدف تنمية مهاراتهم القيادية، وصولاً إلى جيل يتحلى بالثقة بالنفس، ويتمتع بالوعي والثقافة، قادر على تحمل المسؤولية والقيادة.

Ad

إن الأوطان لا تزدهر إلا بمواهب أبنائها والسواعد والعقول الوطنية وإبداعاتها، والمجتمعات السعيدة هي تلك نجحت في استثمار مواهب شبابها من الجنسين، استثمارا إيجابياً بنّاءً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمعرفية وفي كل المرافق والخدمات المجتمعية، وبقدر ما يتم تأهيل الشباب وامتلاكهم المهارات والقدرات بقدر ما يكونون أكثر قدرة على ترجمة أهداف أوطانهم، وبقدر ما نفتح أبواب الأمل في غد أفضل أمام شبابنا نكون أكثر قدرة على كسبهم وتوظيف طاقاتهم.  علينا أن ندرك ونتعلم من تجارب الأمم والشعوب ومن تجاربنا، فثورات ما سمي بالربيع العربي كان دافعها الأساسي، انسداد أبواب الأمل أمام الشباب الذين فقدوا أي فرصة في التغيير بسبب جمود الفكر والأوضاع وتصلب شرايين الدولة والمجتمع ووهن المفاصل وهشاشة البنية المجتمعية، لو وجد الشباب العربي في تلك الدول أي فرصة أو أمل في تحسين أوضاعه لما حصلت ثورات الربيع التي قضت على الأخضر واليابس.

من بعد هذا الربيع العاصف بدأت الدول العربية عامة والخليجية خاصة اهتماماً استثنائياً بالشباب عبر تنظيم العديد من المؤتمرات والندوات والورش الخاصة بقضاياهم، فأحدثت دولة الكويت وزارة للشباب، ونظمت مؤتمرا للشباب حضره سمو أمير الكويت، واستمع إلى مطالب وتطلعات الشباب وتسلم وثيقتهم التي تضمنت 10 أولويات لدى الشباب، قالت عنها صحيفة "السياسة" الكويتية، إنها تؤسس لشراكة الأجيال الصاعدة في صناعة القرار، وفي دولة قطر وجدنا توجها متزايدا لدى الدولة نحو دفع الشباب المواطنين وتأهيلهم وتمكينهم لتقلد مناصب المسؤولية، وإشراكهم في بناء وطنهم.  وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تم تفعيل "الاستراتيجية الوطنية لتمكين الشباب" عبر العديد من المبادرات التي تستهدف إعداد كوادر شبابية مواطنة لتولي المسؤوليات، أثمرت عن تعيين وزراء شباب جدد في التشكيلة الوزارية الجديدة، من بينهم تعيين وزيرة للشباب، لا يزيد عمرها على 22 عاما، وفي إطار اهتمام دولة الإمارات بقضايا الشباب وإشراكهم في صنع القرار وتنمية وعيهم السياسي وتحصينهم من فكر الغلو والتطرف، نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مؤتمره السنوي الحادي والعشرين تحت عنوان "الشباب والتنمية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، حضره عدد كبير من الطلاب من المرحلتين: الجامعية والثانوية، من دول مجلس التعاون ودول عربية، إضافة إلى خبراء وأكاديميين وباحثين، سلط فيه الأضواء على التحديات التي تواجه الشباب ودور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تنمية الشباب، والاستراتيجيات الفاعلة للاستثمار في بناء الشباب، وكيف ينظر الشباب إلى دورهم في عملية التنمية.  أتاح المؤتمر للشباب أن يعبروا عن تطلعاتهم وآمالهم ومطالبهم بكل شفافية، وكان لمداخلاتهم وتساؤلاتهم وتفاعلهم الأثر الإيجابي في إنجاح المؤتمر في اتخاذ توصيات مهمة، ورفعها إلى صانع القرار، كما لا يفوتني الإشادة بالإسهام اللافت والمشرف للشباب القطري في هذا المؤتمر المهم.

* كاتب قطري