لأن كل الجهود والمحاولات التي بذلها الأردن، سراً وعلناً، لعقلنة تصرفات إيران وممارساتها تجاه هذه المنطقة، ولوضع حد لتدخلها السافر في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، فشلت ولم تجد آذاناً صاغية وقلوباً مفتوحة في طهران، فقد كان لابد من استدعاء السفير الأردني هناك لـ"التشاور" بشأن هذا التدخل الذي تجاوز حدود الاحتمال كلها، والمعروف أن استدعاء السفراء في الأعراف الدبلوماسية يعتبر موقفاً تحذيرياً يسبق الخطوة الأبعد التي هي قطع العلاقات.

Ad

ربما كثيرون لا يعرفون أن العلاقات بين عمان وطهران بقيت تخضع لتأثيرات موقف الأردن، الذي مثله مثل مواقف معظم الدول العربية، من حرب الثمانية أعوام بين العراق وإيران، والتي اعتبرت في ذلك الحين ولاتزال تعتبر حتى الآن حرباً عربية - إيرانية، وأن الانحياز العربي خلالها لم يكن لصدام حسين ولا لنظامه، بل دفاع عن الأمن القومي العربي الذي كان مهدداً من هذه الدولة التي من المفترض أنها دولة شقيقة قبل الثورة وبعدها.

لقد حاول الأردن مد خطوط التفاهم مع طهران على أساس: "عفا الله عما مضى" للعب دور توفيقي بينها وبين العديد من الدول العربية، وبخاصة دول الخليج العربي التي يعتبر أمنها أمناً أردنياً، لكنه عندما تأكد من أن إيران مصرة على تدخلها السافر وعلى تمددها في هذه المنطقة، فقد كان لابد من وقفة مراجعة عاجلة، وتم استدعاء السفير الأردني في طهران كخطوة تحذيرية قد تتلوها خطوات أخرى، وإلى أن تصل الأمور إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وعلى غرار ما بادرت إليه منذ فترة بعيدة العديد من الدول الشقيقة.

إنه لا يمكن احتمال هذا الذي تقوم به إيران، فتدخلها السافر في العراق وفي سورية، الذي أصبح يشكل احتلالاً حقيقياً وفعلياً لهاتين الدولتين العربيتين، من غير الممكن التعاطي معه، بالنسبة للعرب، إلا كالتعاطي مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان السورية، فهذا يشكل تهديداً للأمن القومي العربي وكذلك ذاك أيضاً... فالاحتلال هو احتلال سواء كان إسرائيلياً أو إيرانياً، وكما أن الأرض الفلسطينية أرض عربية فكذلك الأرض العراقية والأرض السورية.

لقد صبر الأردن صبر أيوب على كل محاولات تقريب حزب الله اللبناني والشراذم الطائفية والمذهبية، التي تم استيرادها من كل حدب وصوب، من حدوده الشمالية، وحقيقة إن هذه المحاولات كانت ومازالت إيرانية، فهذا الحزب، وكما قال صاحبه حسن نصرالله، يتبع فيلقاً إيرانياً، وهذا ينطبق أيضاً على باقي ما تبقى من "الجيش العربي السوري" ونظام بشار الأسد.

وهكذا ولأن إيران لم تستمع للنصائح والتحذيرات الأردنية وتحذيرات العديد من الدول الشقيقة، ولأنها مصممة على مواصلة اختراق الأمن القومي العربي، ومواصلة التمدد الاحتلالي في هذه المنطقة، فقد كان لابد من هذه الخطوة... خطوة استدعاء السفير الأردني في طهران التي من غير المستبعد أن تتلوها خطوات أخرى، بينها قطع العلاقات الدبلوماسية، وعلى غرار ما كانت بادرت إليه بعض الدول العربية.