كثيراً ما امتعض العراقيون من عدم وجود سفارة سعودية في العراق، رغم وجود سفير عراقي في السعودية، جرى اعتماده بعد الإطاحة بالنظام السابق، فالطبقة السياسية الشيعية تجد في هذا عدم اعتراف سعودي بالتغيير الحاصل منذ 13 عاماً، والقوى السنية ترى فيه تردداً عن مساعدة الحالة العربية في العراق من السعودية التي هي اليوم أكبر بلد عربي من حيث النفوذ والإمكانات إقليمياً ودولياً، ولذلك فقد اعتبر وصول السفير السعودي ثامر السبهان أخيراً إلى بغداد، بعد قطيعة ربع قرن، اعترافاً بشرعية الحكومة كما يفهمه الشيعة، وقراراً بإيجاد توازن مع الدور الإيراني في العراق، كما فهمه السُّنة وأطراف أخرى.
وحاولت المصادر السعودية طوال أسابيع أن تقول، إنها تريد بدء فصل جديد في العراق، يدرك جسامة الأحداث في المنطقة، وفي الواقع فإن هذا تطور منطقي للترحيب السعودي بحكومة حيدر العبادي رئيس وزراء العراق في خريف 2014، والدعم الواضح الذي حظي به من المحيط العربي في ملفات كثيرة، احتفالاً بما بدا أنه خلاص من سياسات سلفه نوري المالكي الذي اعتُبِر على نطاق واسع، شخصية انفعالية تتفنن في تأزيم كل شيء وتلاحق القيادات السنية في العراق.لكن ما منع ظهور حوار بمستوى التقارب الجاد بين السعودية والعراق، عدا الظروف الداخلية للمملكة، هو عجز العبادي عن الوفاء بالتزاماته مع القوى الأخرى، خاصة فيما يتعلق بمطالبات الأحزاب السنية في ملف حقوق الإنسان واللامركزية الإدارية وضمان عدم تكرار أخطاء المالكي، حيث ساد هناك شعور بأن العبادي ليس بالقوة التي تمكنه من مواجهة الجناح العراقي المتشدد، متمثلاً بميليشيات مقربة من إيران وملتفة حول المالكي نفسه.ثم جاء موقف العراق في الجامعة العربية الذي صوت لمصلحة إدانة إيران بعد إحراق السفارة السعودية في طهران، رغم كل التحفظات العراقية على بيان الجامعة، إشارة مفاجئة لم تكن متوقعة، ودفعت الصحافة الموالية لإيران في العراق وخارجه، إلى مهاجمة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري بقسوة غير مسبوقة، بينما التزمت المرجعية الشيعية في النجف الصمت، في إشارة إلى دعمها التقارب والحوار مع الرياض، ولعل مجمل ذلك ساهم في تسريع وصول السفير السبهان إلى بغداد.وفي أول اختبار لهذا التقارب، انشغل العراقيون منذ أيام بالجدال حول أول تصريحات وصفت بأنها نارية، أطلقها السفير السعودي في حوار متلفز، انتقد خلالها بعض الميليشيات والأحداث الطائفية الأخيرة في ديالى، مما اعتبره المتشددون الشيعة تدخلاً في الشأن الداخلي، لكن القوى السنية انبرت في الدفاع عنه بوصفه حديثاً عن تطورات معروفة ليست سراً، وتحتاج إلى معالجة لا إلى الهروب منها.وبمعزل عن الارتباك الحاصل في معالجة الموقف بين الخارجيتين العراقية والسعودية، وظهور أكثر من تصريح وتصريح مضاد، فإن هناك مؤشرات عديدة على أن الطرفين يريدان احتواء هذه الأزمة، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن الجناح المتشدد الموالي للمالكي سياسياً وعسكرياً، غير مرتاح أبداً لوجود سفارة تمثل دولة عربية كبيرة منخرطة في الترتيبات الإقليمية، الأمر الذي لن يريح السفير الإيراني في بغداد بالطبع، وهو ما يجعل المراقبين يتوقعون حصول «مفاجآت كثيرة» في العلاقات بين بغداد والرياض، قد لا ينجح العبادي في احتواء آثارها وحماية مستوى التقارب المتاح بحده الأدنى حالياً.
دوليات
العلاقات السعودية - العراقية تواجه اختبارات عسيرة رغم «التطبيع»
27-01-2016