لا تختلف كتابات الشباب في الكويت عن غيرهم من الشباب العرب الذين يتأثرون بمعطيات زمنهم ويتشاركون أحداث ووقائع جيلهم بكل ما فيه من أمور تؤثر عليهم وتصبغهم بصبغة الجيل ذاتها.

Ad

سأكتب ملاحظاتي عن كتابات الشباب في الكويت، الجيل الطالع من الكتاب الجدد الذين يخرجهم لنا في كل عام معرض الكتاب الكويتي، والذين يزدادون باطراد في كل سنة مع كل موسم للمعرض، وهذا الزيادة أتت بفضل القدرة المادية للشباب ورغبتهم في اصطياد شهرة و»برستيج» مبكر بلقب الروائي.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى زيادة دور النشر الجديدة التي تشجع الشباب على نشر مخطوطاتهم بأي شكل كان، ماداموا قادرين على الدفع لها وزيادة مدخولها، وليس مهماً نوعية الكتابة ومدى مستوى جودتها وقيمة ما تطرحه وصلاحيته الكتابية، فالمهم هو ما يدفع لها، وما يلاحظ من الأخطاء النحوية والطباعية والمستوى الكتابي وتدني قيمته الفنية والأدبية.

في معرض هذا العام، شاهدت دار نشر تشرف على حفل توقيع لشاب مراهق صغير، ربما لا يتجاوز عمره 13 سنة، ممسكا بالقلم في وضعية و«جاهزية» مشهدية سينمائية قدمته كبطل تنهال عليه أضواء المجد والشهرة بمجانية مبكرة، هذا المشهد الاحتفالي الكبير جعلني أتساءل: ماذا بقي لهذا الشاب من محفزات وتحديات لعالم الخلق والإبداع، فكل شيء جاءه على طبق من ذهب حتى قبل أن يبرهن على موهبته؟

لا أدري إن كانت الوفرة المالية قادرة على خلق موهبة وإبداع حقيقي، وهي التي تحتاج إلى صعوبات وتحديات حتى تحرض الكاتب على الخلق الإبداعي، لأنه في رأيي أن التحديات هي الاستفزاز لوقود الطاقة الإبداعية لتحريض الكتابة لدى الكاتب.

ما لاحظته بشكل عام وقرأته لهذا الموسم هو تأثر الكتاب بطريقة الكتابة التي تعتمد على»الأكشن» والخيال الذي لا يقود إلى نتيجة عقلانية منطقية أو إلى نهاية مفهومة، وهذا يدل على تأثرهم الواضح بالمسلسلات التركية التي تقدم رومانسية مفبركة للأحداث البعيدة عن المعقولية والمصداقية الحياتية، وهي ما يصدقها ويتابعها كثير من المشاهدين، حيث إنها تقوم على شدهم بأحداث تقوم على التوتر القوي العنيف، مما يبقيهم مشدودين لها طوال الحلقات الطويلة التي لا تنتهي.

«هي فاشينيستا هو كاتب» اسم رواية للكاتبة الشابة فدوى الطويل، عمرها 21 سنة، صالحة لهذا النوع من الكتابة البوليسية الأكشن، وهي قادرة على تصنيع الكتابة إن كان يجوز لي إطلاق هذا المسمى على هذه النوعية من الكتابات التوليفة التوفيقية بحسب الموديلات والنماذج الرائجة المطلوبة، فهي قادرة على نسج أحداث لا تنتهي، فالذي يموت يحيا من جديد، ومن يحيا يعود ليموت، والمؤامرات والخيانات لا تنتهي، الكل يجيد صناعتها وإتقانها، وبالرغم من سطحية الوصف والكتابة الطفولية التي ينقصها التعمق في التجربة الإنسانية الحقيقية - لأن الكتابة ليست مجرد أفكار مركبة فوق بعضها البعض لم تمر بمختبر الروح ليتم صقلها - أجادت تطبيق الدرس تماما مع عمرها الصغير، وستنجح في إعداد سيناريوهات صالحة لأذان هذا العصر المطلوبة فيه.

الشكل الثاني للكتابة هو ما كتبته «وضحاء العدواني» في روايتها «حياة»، وهي سيرة لحدث وفاة أمها، هذه الكاتبة واعدة بنمو إبداعي كبير، لأنها ملكت الإحساس العميق بالتجربة والخبرة الإنسانية والعيش الصادق فيها، كتابتها تصدر من أعماق الروح وتخصها وحدها، وليست تابعة لنمط أو أي شكل كتابي ناتج عن قوالب جاهزة للتقليد، وهي في مرحلة عمرية أكبر من فدوى الطويل وليست من جيل المسلسلات التركية والقصص المصنعة، ولا يمكن وضعها في مقارنة معها، ولها كتابان سبقا هذه الرواية، ولم أطلع عليهما بعد، لكن من قراءتي لروايتها هذه أو السيرة المسجلة لوفاة أمها، أشعرتني بأن لها كتابة تغوص في التجربة الروحية ذات الرؤية المتفردة بالحس الصادق القادر على الوصول إلى قلب وأحاسيس القارئ، روايتها حياة مست قلبي بصدق هذه المشاعر النازفة من عمق ألمها ووجع الفقد الذي هزها حتى نزفته بهذه الرواية ذات الوجع الإنساني، الذي شاركتها به لأني سبق أن عشته وأدركت مرارة الفقد.

وحتى ألمّ بتجربتها الكتابية سأقرأ كتابيها السابقين وأدرك أبعاد تجربتها في الكتابة ومقدار ما تبشر به من موهبة مختلفة ومدى أصالتها واختلافها عن الصناعة الصينية الموجودة.