عوامل ارتفاع معدل التضخم في أميركا
رغم ما تنطوي عليه معدلات التضخم العليا من فوائد في بعض الجوانب، فإنها لن تساعد في إخراج الاقتصاد الأميركي من فخ الفائدة المتدنية، لأن مجلس الاحتياطي الفدرالي غير قادر على جعل الناس يتوقعون وتيرة أسرع من الزيادات في الأجور والأسعار .
إذا كان مجلس الاحتياطي الفدرالي يريد المزيد من التضخم فعليه ان يقول ذلك صراحة، فبشكل مفاجئ الى حد ما ارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة، ولكن ليس بطريقة مثيرة للقلق على أي حال، كما أن المقياس المفضل للتضخم لدى مجلس الاحتياطي الفدرالي – وهو مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي – يظل أقل من هدف الـ 2 في المئة، كما كان الحال طوال معظم السنوات الأربع الماضية. ولكن التحرك نحو الصعود منذ أواخر سنة 2015 لا يحتمل الخطا أو الشك. وفي خضم ما يبدو (في الوقت الراهن على الأقل) مثل نهاية الانتعاش الطويل للدولار والتراجع الطويل في أسعار النفط، فإن ارتفاع معدل التضخم فوق 2 في المئة يبدو محتملاً الى حد كبير، ويعتبر ارتفاع معدل التضخم فوق النسبة المستهدفة هذه فرصة بالنسبة الى مجلس الاحتياطي الفدرالي ولكن ليس من الواضح ما اذا كان المجلس مستعداً لانتهازها على أي حال.
التعامل مع التضخمبعد المؤتمر الصحافي الذي أعقب اجتماع شهر مارس الماضي سئلت رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي جانيت يلين عن كيفية تعامل اللجنة مع المستوى الأعلى للتضخم، ولم يكن ردها واضحاً تماما، إذ قالت "أود أن أوضح أن هدفنا بشأن التضخم هو 2 في المئة ونحن نتصور عودة الى ذلك المعدل، ونحن لا نحاول تجاوز ذلك المعدل ولا التعويض عن الماضي في هذا الشأن، ولذلك فإن المعدل المستهدف هو 2 في المئة، ونحن بكل تأكيد لا نهدف الى تجاوز ذلك الحد ولكن التقلبات هي جزء من طريقة عمل الاقتصاد".الترجمة الشعبية للتصريحوتتمثل الترجمة الشعبية لهذا التصريح والأسلوب العام الذي يتبعه مجلس الاحتياطي الفدرالي في أن البنك المركزي يريد فعلاً أن يتجاوز التضخم ذلك المعدل من أجل التأكيد على أن معدل الـ 2 في المئة هو متساوق، ولكنه لا يريد أن يبدو في صورة من يسعى الى تحقيق ذلك الارتفاع. ثم إن القبول السلبي لا بأس به، أما التحسين النشط لمعدل التضخم فليس كذلك كما هو واضح، وسوف يكون ذلك مقبولاً لو أن معدلات الفائدة ليست قريبة جداً من الصفر ولكنها، للأسف، قريبة من ذلك حقاً.وسوف تود جانيت يلين رفع معدلات الفائدة بقدر يفوق كثيراً ما تحقق حتى الآن، ويرجع ذلك الى أن معدلات الفائدة المتدنية تهدد الاستقرار المالي، بحسب رأيها، كما أن ذلك الهبوط يجعل من الصعب بقدر أكبر الاستجابة الى انكماش اقتصادي من دون التحول الى أدوات نقدية غير مؤكدة مثل معدلات الفائدة السلبية أو التيسير الكمي. ولكن سعي مجلس الاحتياطي الفدرالي من اجل تحسين معدلات الفائدة يستمر في مواجهة العديد من المشاكل – والأسواق المالية عالمية، وبفضل التخمة في التوفير حول العالم والشهية المحدودة للاستثمار فإن معدلات الفائدة الحقيقية العالمية تبدو ثابتة عند درجة الصفر تقريباً. وعندما تتحرك دولة مثل الولايات المتحدة نحو رفع سعر الأساس في معدلات الفائدة وتتوقع الأسواق العالمية تحقيق عوائد من أصول أكثر أمناً بقدر أعلى مما يمكن الحصول عليه في أماكن اخرى من العالم فإن راس المال يتدفق نحو تلك الأصول الأكثر أمناً بكل تأكيد. كما أن ارتفاع الدولار يعرقل النمو والتضخم في الولايات المتحدة ويواكب ذلك هبوط أسعار الأصول الأكثر خطورة لتلامس دورة الخوف في الأسواق ولتهدد التعافي الاقتصادي حول العالم. وتحدث هذه العملية في كل مرة يتحرك فيها مجلس الاحتياطي الفدرالي نحو تطبيق سياسة متشددة كما حدث خلال الأسابيع الأولى من هذه السنة، وتنتهي بمؤشرات من مجلس الاحتياطي الفدرالي على عزمه ابطاء وتيرة التضييق المالي. عوائق كبيرةمن هذا المنطلق يواجه "الاحتياطي الفدرالي" عوائق كبيرة ازاء حريته في العمل، ولكن ذلك ليس مستحيلاً على أي حال، وفي وسع هذا المجلس رفع معدلات الفائدة التي يسيطر عليها من دون رفع المعدلات " الحقيقية " أو معدلات الفائدة المعدلة للتضخم في حال كانت التوقعات المتعلقة بالتضخم في المستقبل مرتفعة أيضاً.وعلى سبيل المثال اذا كنت تخطط للحصول على قرض لخمس سنوات فإنك سوف تهتم بمعدل الفائدة الذي سوف تدفعه ولكنك سوف تهتم أيضاً بمعدل التضخم، مع الافتراض بأن ذلك المعدل ليس متدنياً جداً بحيث يمكنك تجاهله، ويبدد معدل التضخم المعتدل قيمة رأس المال المقترض ما يجعل بشكل فعلي القرض أرخص عند السداد، وهذا يعني خفض معدلات الفائدة "الحقيقية". وإذا كانت العامة تتوقع معدلات تضخم في الأجل المتوسط تتراوح بين 2 و4 في المئة فإن معدلات الفائدة الأسمية يمكن أن ترتفع بشكل نسبي من دون رفع التكلفة الحقيقية للاقتراض.ولكن رفع توقعات التضخم ليست الشيء الأكثر سهولة للقيام به، وكان معدل التضخم متدنياً جداً لفترة طويلة من الزمن، كما كان يميل نحو الهبوط طوال معظم القرن الماضي، ويتسم مجلس الاحتياطي الفدرالي بالتطرف في العمل – وفي ضوء التوقعات المتجذرة بعمق بالنسبة الى التضخم والاعتقاد بالتزام مجلس الاحتياطي الفدرالي بمعدلات تضخم متدنية سوف يتطلب الأمر فترة طويلة جداً من الزمن من تضخم يفوق المعدل المستهدف بالنسبة الى الناس من أجل مراجعة قناعاتهم واعتقاداتهم.تعديل التوقعاتسوف يحدث تعديل التوقعات بسرعة أكبر كثيراً على أي حال، إذا عمد مجلس الاحتياطي الفدرالي ببساطة إلى شرح ما كان يقوم به والأسباب التي دفعته إلى ذلك، ومن خلال قيامه بدور الخجول ازاء نواياه المتعلقة بترك معدل التضخم يرتفع وابقاء ذلك المعدل فوق المستوى المستهدف لفترة من الزمن سوف يقوض مجلس الاحتياطي الفدرالي الفائدة الاقتصادية الناجمة عن التضخم. ثم إن مجلس الاحتياطي الفدرالي لن يتمكن من رفع المعدل بدرجة كبيرة لأن التوقعات لن تكون معدلة كثيراً.ومن الطبيعي فإن عدم الرغبة في تحقيق المزيد من التضخم قد لا يكون السبب الوحيد، أو حتى السبب الرئيسي، وراء ابقاء مجلس الاحتياطي الفدرالي رسالته مشوشة حول الارتفاع والزيادة، فقد تكون أيضاً الانقسامات الداخلية منعت المجلس من تحديد مسار عمل يهدف الى تجاوز الحد لفترة من الزمن، وربما جعل الزملاء غير الموافقين يجتمعون مرة بعد اخرى أكثر سهولة من عملية الاتفاق على اعلان خطة من أجل تحقيق معدلات تضخم أعلى. والنتيجة هي ذاتها الى حد كبير. وعلى أي حال فإن معدلات التضخم الأعلى، رغم ما تنطوي عليه من فوائد في بعض الجوانب، لن تكون مساعدة بصورة خاصة من اجل اخراج الاقتصاد الأميركي من فخ معدلات الفائدة المتدنية، لأن مجلس الاحتياطي الفدرالي غير قادر على ابلاغ الناس أن يتوقعوا وتيرة أسرع من الزيادات في الأجور والأسعار.