لأن الحديث عن تحوُّل سورية إلى دولة اتحادية "فدرالية"، وأيضاً عن تقسيمها وتجزئتها، فإن هذا الموضوع يجب أن يؤخذ بمنتهى الجدية، لأن خياراً كهذا إن تم بالنسبة لهذه الدولة العربية فإن عدواه ستنتقل بالتأكيد إلى دول أخرى، حيث إن تمزيق هذه المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية طُرح في وقت مبكر، في بدايات القرن الماضي، وقد طرحه قادة الحركة الصهيونية بعد إنشاء دولة إسرائيل في قلب الوطن العربي، كمحصلة لمؤامرة كونية يبدو أنها بقيت مستمرة ومتواصلة حتى الآن.

Ad

والغريب أنه قد تم العزف على الوتر نفسه، وهذا لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة، من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قال: "من الصعب الإبقاء على سورية موحدة إذا استمر فيها القتال المحتدم الآن"، ومن قبل متحدث باسم الخارجية الروسية الذي قال بدوره: "إن سورية قد تصبح دولة اتحادية فدرالية"، ما يعني، وبعيداً عن سذاجة أصحاب النوايا الحسنة، أن هذه المسألة الخطيرة فعلاً جرى بحثها والتطرق إليها بين الأميركيين والروس وبصورة فعلية وجدية!

ولعل ما تجب العودة إليه، ونحن بصدد التطرق إلى هذه المسألة، هو تلك التصريحات التي كان أطلقها بشار الأسد، قبل الغزو الروسي لهذا البلد العربي، وقال فيها إنه لا جدوى من استمرار قتال قواته في غالبية الأراضي السورية، وإنه "سيسحبها" للدفاع عما اعتبره: "سوريا المفيدة"، أي هذا الجزء الممتد من دمشق إلى اللاذقية وإلى جبال النصيريين مروراً بسهل الغاب وحمص وحماة وإدلب وصولاً إلى حلب، والمعروف أن سكان هذه المدن وهذه المناطق يشكلون الغالبية الراجحة من أبناء الشعب السوري وكلهم من العرب السنة.

وهنا وللتذكير أيضاً فإن ما تجب الإشارة إليه هو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان قد اتهم الروس، وكرر هذا الاتهام مراراً، بأنهم قد غزوا سورية واحتلوها من أجل إنشاء كيان انفصالي مركزه منطقة اللاذقية، حيث أقامت روسيا بعد غزوها الاحتلالي لهذه الدولة العربية قاعدة "حميميم"، التي تعتبر أهم قاعدة عسكرية لها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بل في الشرق الأوسط كله، إضافة إلى قاعدة طرطوس القديمة التي كانت موسكو أقامتها في زمن الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكل الكتلة المواجهة للولايات المتحدة وحلف شمالي الأطلسي، من خلال حلف "وارسو" الذي انهار مع انهيار كل دول أوروبا الشرقية الشيوعية.

ويقيناً إن هذا الحديث الذي جاء على لسان كيري وعلى لسان ناطق باسم الخارجية الروسية لا يمكن أن يكون من قبيل لغو الكلام، لكن ما يجب أن يفهمه هؤلاء ومن يتناغم معهم أن هذه المنطقة، التي أعطيت لوناً معيناً على الخريطة السورية، غالبية سكانها من العرب السنة، وأن "العلويين" أو "النصيريين"، لا فرق، لا يشكلون وفي أحسن الأحوال إلا نسبة لا تزيد على 15 في المئة من سكان هذه المنطقة التي يشكل سكانها أكثر من 80 في المئة من سكان سورية.

وهذا يعني أن ما يفكر فيه الروس والأميركيون لا يمكن تطبيقه لا بالتفاهم ولا بالقوة فـ"سورية المفيدة" هي من بدأ هذه الثورة، المنتصرة بالتأكيد، وهي لا يمكن أن تخضع لنظام بشار الأسد وتلتحق بالدولة المذهبية التي يسعى لإقامتها ثم، وهذا يجب أن يقال، فإن ما لا يعرفه كثيرون هو أن غالبية "العلويين" لا يمكن أن تقبل بهذه الخطوة التآمرية، وأنهم بالتأكيد سيقاومونها وبقوة السلاح مثلهم مثل إخوانهم من العرب السنة ومن العرب المسيحيين والعرب الدروز وباقي مكونات الشعب السوري في هذه المنطقة "المفيدة"!... إنها مؤامرة في وضح النهار!