مصالح أميركا لا «عقيدة أوباما»
صياغة السياسة الخارجية في الدول الرأسمالية المتطورة كأميركا، على سبيل المثال، تمر بسلسلة إجراءات مُعقّدة قبل أن تُحدّد خطوطها العريضة مؤسسات ديمقراطية تؤثر في تركيبتها وطبيعة قراراتها شبكة المصالح الاقتصادية والمالية المتداخلة والشركات الكبرى متعددة الجنسية.
العلاقات بين الدول تُحدّدها المصالح ولا شيء غيرها، فلا صداقات دائمة بين الدول، بل مصالح ثابتة كما يقال، ونظراً للتغير الذي يحدث على طبيعة المصالح ونوعيتها من فترة لأخرى فإن العلاقات الدولية، كما المواقف السياسية تتغير بدورها، والدليل العلاقات الأميركية-الإيرانية خلال العقود الثلاثة الماضية.من جانب آخر فإن صياغة السياسة الخارجية في الدول الرأسمالية المتطورة كأميركا، على سبيل المثال لا الحصر، تمر في سلسلة إجراءات مُعقّدة قبل أن تُحدّد خطوطها العريضة مؤسسات ديمقراطية تؤثر في تركيبتها وطبيعة قراراتها شبكة المصالح الاقتصادية والمالية المتداخلة والشركات الكبرى متعددة الجنسية، على أن تلتزم السُلطات العامة وأجهزة الدولة المختلفة بعد اعتمادها بتنفيذها كاستراتيجية عامة للدولة تمتد لسنوات قادمة، إذ إن الرئيس الأميركي لا يُحدّد بمفرده السياسات العامة سواء الداخلية أو الخارجية، كما هي الحال في الدول الدكتاتورية والمتخلفة، فهو ليس سوى مُمثّل "ناطق" رسمي للسلطة السياسية التي تُمثّل قوى النفوذ وشبكة المصالح الاقتصادية في المجتمع الرأسمالي.من هنا فإنه لا معنى للانجرار وراء الخطاب الإعلامي الغربي المبالغ فيه والذي يُركز في تحليله على ما يُسمى "عقيدة أوباما"، أي أفكار الرئيس الأميركي، باعتبارها هي السبب في التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأميركية تجاه دول المنطقة، وأدت، ضمن قضايا أخرى بالطبع، إلى سحب بعض أساطيلها الحربية من مياه الخليج. بمعنى آخر، فإنه من غير المجدي الانسياق وراء التفسير السطحي للأحداث المربكة والمعقدة لأن ذلك يهدر الوقت والجهد، ويشتت الانتباه عن الأسباب الحقيقية، وبالذات الأزمة الاقتصادية الرأسمالية الخانقة التي تفجرت عام 2008 وما زال الاقتصاد العالمي يعيش تداعياتها، التي أجبرت أميركا ودول الاتحاد الأوروبي على تغيير سياستهما في المنطقة، والتصالح سياسياً مع إيران باعتبار أن لديها موقعا جيو-سياسيا استراتيجيا، وهي مصدر مهم من مصادر الطاقة النفطية، وتتوافر فيها سوق واسعة وأيد عاملة رخيصة، ناهيك عن إعطاء أميركا ودول الاتحاد الأوروبي أهمية استراتيجية للصراع مع الصين التي تمثل تحديا اقتصاديا جديدا للدول الرأسمالية الاحتكارية المعولمة.وفي هذا السياق، فإننا نكرر ما سبق أن ذكرناه مراراً، بأن العالم، وضمنه منطقتنا، يمر بمرحلة تاريخية مُعقّدة ومضطربة سياسياً واقتصادياً، وأن متانة الجبهة الخارجية وقوتها تعتمد على تماسك الجبهة الداخلية وصلابتها، وهي قضية بالغة الأهمية يتعين التركيز عليها ومعالجة الأسباب التي تحول دون قيام دول عصرية، وأنظمة مدنية ديمقراطية، واقتصاد إنتاجي مستقل، وتنمية إنسانية مستدامة. وعندئذ فلن يكون بمقدور الرئيس الأميركي أو غيره، مهما كان، الحديث عن شؤوننا الداخلية أو تذكيرنا بما يجب علينا فعله مثلما جاء في مقابلة أوباما الصحافية التي نُشرت قبل أسابيع.