إذا ما تمَّ النظر إلى أن أطفال اليوم هم آباء الغد، فإن المتأمل لحال الطفل العربي سيرى أن مستقبلاً موحشاً ينتظر أقطار الوطن العربي، فنظرة عابرة على الوضع المأساوي في العراق وسورية وليبيا واليمن والسودان، فضلاً عن مستويات الفقر في أنحاء متفرقة من مصر ودول الشمال الإفريقي، كل هذا مجتمعاً ينبأ بشكل جلي أن مستقبلاً مؤلماً ينتظر أقطارنا العربية داخل القطر الواحد، وفيما بين القطر والقطر الجار.

Ad

إن نظريات علم النفس تقول بشكل عام؛ إن المكوّن الرئيسي لوعي وشخصية الإنسان يتأسس في السنوات الست الأولى من حياته. وعلى ضوء هذا يمكننا تصوّر وعي وشخصيات أطفال الأقطار العربية الذين جاؤوا إلى الدنيا على صوت الرصاص والانفجارات، وتربوا في بيئات تعايش الظلمة والقتل والدمار، ومشوا خطواتهم الأولى بين الأنقاض ورائحة الجوع والموت. أطفال تفتحت سنوات حياتهم على هذه الأوضاع المأساوية، لا يتوقع أحد منهم أن يكونوا أسوياء، كما لا يمكن فصلهم عن بنية المجتمعات العربية في القادم من الأيام والسنين.

تقارير مؤسسات المجتمع المدني، وهيئات الأمم المتحدة، تشير بقلق بالغ إلى أوضاع أطفال العرب، ففي مصر هناك "حوالي 5 ملايين مطلقة أنجبن أكثر من 8 ملايين طفل"، وإذا ما أخذ بالحسبان أن أغلبية هؤلاء النسوة يعشن تحت خط الفقر، وتذهب نسبة ليست بالقليلة منهن للقبول بزيجات أخرى، فإن عدداً كبيراً من أبنائهن يكون الشارع وحده مأوى له.

تشير التقارير المهتمة بالطفولة العربية إلى أن هناك "2 مليون طفل شوارع في مصر"، هؤلاء يعيشون في أوضاع لا إنسانية، ويمارسون حيوات ليست سوية، ويعانون أمراضاً جسدية وجنسية مخيفة، تنتهي بنسبة كبيرة منهم إلى الموت في سن مبكرة. كما أن الدراسات الميدانية تظهر أن أوضاع أطفال الشوارع في المغرب مخزية، وأن تفشي الجنس بين هؤلاء الأطفال وشرائح منحرفة من السياح بات يشكل ظاهرة تستحق المعالجة.

لا أظن أن أقطار الوطن العربي، منذ حروب الاستعمار في بدايات القرن العشرين، عاشت أوضاعاً مأساوية وحروباً أهلية مجنونة وشرسة كما تعيشها اليوم، لذا فإن العقل والمنطق يقول بضرورة تضافر الجهود القطرية والأممية والإنسانية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طفولة عربية باتت تُذبح كل يوم من الوريد إلى الوريد. وباتت من جهة أخرى تشكّل تهديداً حقيقياً لبنية المجتمعات العربية في القادم من الأيام.

إذا كان قسم ليس بالهين من أطفال العرب يعيش الضياع والفقر والدم والقتل، فإن قسماً آخر، رغم أنه ينعم بحياة مستقرة، فإنه يحتاج إلى الكثير من العناية والاهتمام لكي ينشأ، كما يفترض أن تكون التنشئة. لقد تمكّنت تقنية الاتصالات المتفجرة، وثورة المعلومات، ووسائل التواصل الاجتماعي من اختطاف الطفل من حضن أمه وأسرته، وراح العدد الأكبر من الأطفال والشباب ما بين الثلاث سنوات حتى طلبة الجامعة يعيشون و"الآيباد"، والتلفون الذكي، والكمبيوتر النقال لا يفارقهم، بل ان ولعهم بمتابعة ما يجري على ساحة شبكات التواصل الاجتماعي يفوق بمرات التفاتهم إلى الحياة بقربهم. حتى ان هناك أسر تجتمع ولا يجمع بينها من شيء إلا أن كل شخص يعيش لحظته ممسكاً بتلفونه الذكي معزولاً ومبتعداً عن الآخر، بالرغم من وجود الجميع في غرفة واحدة.

الحديث عن الطفولة العربية مؤلم حيثما تلفت الإنسان، لكن ليس لنا إلا أن نبقى نحمل شيئاً من الأمل في الغد. أمل في أن تجتاز أقطار وطننا العربي دهليز الحروب الأهلية المظلمة وتعود لتعيش الحياة الطبيعية، وبما ينعكس بالخير على الطفولة العربية، وأمل آخر في أن تعاود الأسرة العربية لمّ شمل دفئها، واحتضان أطفالها كأجمل ما يكون حضن الأم والأب.