يبدو أن من التداعيات الجلية التي أفرزها هبوط أسعار النفط العزوف عن مشاريع الطاقة النووية، ليس فقط في الغرب، مثل ألمانيا أو الشرق الأقصى مثل اليابان التي ابتليت بكارثة فوكوشيما، بل في الدول التي تحتاج إليها بشدة مثل الصين.

Ad

ويقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، في هذا الصدد، إن المئات من الناس خرجوا إلى الشوارع في مدينة جيانغمن الصينية للاحتجاج على مقترح لبناء مصنع لمعالجة اليورانيوم في تلك المنطقة.

وكان يفترض أن يوفر ذلك المصنع المقترح الوقود إلى صناعة الطاقة النووية المتوسعة بسرعة، ولكن العقبة التي واجهت خطة بناء المصنع، الذي قدرت تكلفته بنحو 6 مليارات دولار، كانت موجة الرفض الشعبي التي حالت دون المضي فيه، وذلك في أول حالة من نوعها في الصين، بحسب كيث فلوريغ، وهو باحث في الكلية التجارية بجامعة فلوريدا.

وتعتبر مسيرة الاحتجاج هذه – وتداعياتها – على قدر كبير من الأهمية في دولة لديها 22 مفاعلاً نووياً قيد الانشاء وتخطط لبناء المزيد، اضافة الى نمو أعمال بيع تقنية الطاقة النووية الى العديد من الدول بما فيها الأرجنتين وبريطانيا وباكستان.

ويشير فلوريغ الى أن الصين ليست مستعدة لمواجهة قضايا الرأي العام التي ابتليت بها الطاقة النووية في الدول المتقدمة، قائلا إنه قبل نحو 15 سنة أجرى مقابلة مع مسؤولين صينيين في ميدان الطاقة لمعرفة مدى اطلاعهم على تطور الطاقة النووية في الدول الغربية، وتبين له أنهم يركزون فقط على التحديات التقنية التي تتمثل في مراقبة الانشطار النووي واستخدام الحرارة الناتجة لغلي الماء، والحصول على البخار وتزويد العنفات الكهربائية بالطاقة. ويبدو أن أحداً لم يستوعب ما تنطوي عليه تلك الخطوة من تحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية.

وتنتشر الطاقة النووية في الدول المتقدمة على نطاق واسع، وفي فرنسا تنتج الطاقة النووية أكثر من 75 في المئة من الكهرباء، وتحصل كوريا الجنوبية على نحو 30 في المئة من الطاقة الكهربائية عبر المفاعلات النووية، وهي تعمل لتوسيع نشاطها في هذا الميدان.

وفي أماكن اخرى من العالم تستمر هذه التحديات بقوة، وفي اليابان على سبيل المثال، تنطلق الاحتجاجات ضد الخطط الرامية الى اعادة تشغيل المصانع النووية التي تم اغلاقها في أعقاب الكارثة النووية التي لحقت بمحطة فوكوشيما في سنة 2011. كما أن ألمانيا تعهدت بإغلاق كل مفاعلاتها النووية بحلول سنة 2022. ويأتي ذلك في خضم الزيادة الكبيرة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هناك.

ويقول التقرير أيضاً إن ذلك تصادف مع افتتاح العديد من مصانع الطاقة التي تعمل بالفحم، وتظل ألمانيا دولة مصدرة للطاقة الكهربائية، وقد ازداد انتاجها من الطاقة المتجددة بسرعة كبيرة، ولكنها تستورد المزيد من الفحم من الولايات المتحدة.

وحتى في الولايات المتحدة، حيث يظل تأييد الطاقة النووية عالياً بصورة نسبية، شهد تطوير هذا المسار تراجعا، وقد تم افتتاح أحدث مفاعل للطاقة النووية في سنة 1996 في تينيسي، وسيتم افتتاح مفاعل مماثل في السنة المقبلة على الرغم من الشروع في عمليات البناء في المفاعلين في عام 1973.

ولكن زيو يي تشونغ، وهو بروفسور الحوكمة والسياسة العامة في جامعة غريفيث في استراليا، يقول إن في وسع المرء أن يتحدث بصورة عامة عن وجود فارق بين الدول المتقدمة والنامية، وإن عدداً من البلدان النامية كان يوسع «أسطوله النووي».

وقد تركز قدر كبير من الاهتمام في تلك البلدان على المفاعلات الصغيرة التي تتسم بتوافر التقنية البسيطة وسرعة البناء والمتانة من حيث جوانب السلامة.

يذكر أن مصانع الطاقة النووية الضخمة من النوعية الأميركية تتمتع بطاقة تصل الى 1000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، في حين تصل تلك الطاقة الى 250 ميغاوات في المصانع الصغيرة في الصين. ومن وجهة نظرية سيوسع ذلك الحجم عدد مصانع الطاقة النووية، ويقول معظم الخبراء إن مثل تلك المصانع ستكون في حاجة الى عوامل أمن أصغر حجما، وبالتالي يمكن تشييدها على مقربة من المدن.

وتشكل السياسة العامة عاملا ازاء جعل الطاقة النووية جذابة من الوجهة الاقتصادية في الصين، حيث تعمل بكين على جعل التطوير النووي جزءا من استراتيجيتها للريادة في هذا الميدان.

وعلى العكس من ذلك، لا توجد في الولايات المتحدة سياسة لتطوير الطاقة النووية، ولا لفرض عقوبات على انبعاثات غاز بيوت الدفيئة.

وفي ألمانيا، حيث تعارض السياسة العامة الطاقة النووية، قد تتعرض الشركات التي تملك المصانع النووية الى مزيد من المتاعب المالية، وسيتوقف تحقيق المال على نجاح استثمارات تلك الشركات، وعلى معدلات الفائدة بصورة عامة.