على ضوء الانتكاسة الكبيرة في إيرادات الدول النفطية قاطبة نتيجة للتراجع المذهل في أسعار النفط من 120 دولاراً إلى ما دون العشرين دولاراً خلال الأشهر القليلة الماضية، فإن الدول المنتجة أحادية المورد المعتمِدة على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وجدت نفسها ريشة في مهب الرياح العاتية للتقلبات العالمية لأسعار النفط، التي جاءت نتيجة لغليان سياسي متواصل في مركز الإنتاج العالمي لهذه السلعة الاستراتيجية، وهو منطقة الخليج العربي بما شهدته من حروب وقلاقل إرهابية صدعت الأمن فيها، الذي يعتبر أساساً للاستقرار الاقتصادي في كل مكان.
الكويت في عين العاصفة الاقتصادية، حققت موازنتها للعام المنصرم والعام الحالي عجزاً غير معهود في تاريخها حذّر جميع المختصين من آثاره السلبية والكارثية فادحة التكاليف، لكون الإدارة الاقتصادية في الكويت لم تتدارك لعقود طويلة متطلبات الحصانة ضد تقلبات أسعار النفط، وتضع منهجية واضحة ومباشرة وجراحية لا تحتمل التخدير، أو استخدام المسكنات ولم تلجأ إلى الحلول الجذرية لموازنة التكاليف بالإيرادات، بعد أن أغفلت طوال الفترات السابقة جميع التحذيرات التي جاءت بتقارير الهيئات والجهات والمؤسسات الاقتصادية المحلية والعالمية، من أن عجزاً داهماً يتربص بالموازنات العامة للدولة لاعتمادها المطلق على النفط، مما أفضى إلى انسدادات خانقة في شرايين الاقتصاد الكويتي نعيش اليوم ارتداداته على مختلف جوانب الحياة.وليس أبلغ في ذلك مما جاء في تقرير اللجنة المالية المنبثقة من المجلس الأعلى للتخطيط باعتبار أنها (شاهدٌ من أهلها)، ولكون تقريرها هو آخر سلسلة التحذيرات المتخصصة التي ما فتئت تنذر القائمين على الإدارة الاقتصادية في الكويت من خطورة العجز في المعالجات البنيوية الذي يولّد عجوزات تلد إحداها الأخرى كلما انخفضت أسعار النفط التي لا نمتلك زمام أمرها.يقول التقرير:"إن الواقع الاقتصادي للدولة في المرحلة الحالية يتجه إلى مسار منحدر وبشكل حاد، ينطوي على تحديات ضخمة ومخاطر فادحة التكاليف، إذا ما استمر تنامي الإنفاق دون أن يتم تدارك هذا الانفلات المالي أو الحد منه، مما سيؤدي حتماً إلى اتخاذ إجراءات قاسية على الاقتصاد قد يكون لها تداعيات حادة اقتصادية واجتماعية وسياسية لا قدر الله".ذلك هو التحذير الأخير من جهاز استشاري للحكومة سبقته تحذيرات مماثلة طوال العقدين الماضيين من نفس الجهاز وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة ميكنزي ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق (توني بلير) واللجنة الاستشارية الاقتصادية التي شكلها صاحب السمو الأمير، ومجموعة (٢٦) الاقتصادية ومكتب الشال وغيره من الخبراء الاقتصاديين، ذهبت جميعها أدراج الرياح!فأين الخلل يا ترى؟! ومن يتحمل المسؤولية؟! وهل سيكون مصير التحذيرات الأخيرة كسابقاتها؟؟الله هو الأعلم، والضحية أو المستفيد هما ثروات الحاضر ومقدرات المستقبل!
أخر كلام
6/6 : عجوزات تلد أخرى!
05-02-2016