ظهر تحكّم الإعلان الواضح في الإعلام المصري بعدما نقلت شركة «برموميديا» بث الدوري المصري إلى قناة «أون تي في» بدلاً من قناة «تن»، ونقلت برنامج «البيت بيتك» من «تن» إلى قناة أخرى. كذلك تتحكم شركة «بريزنتيشن» في المحتوى المقدم على شاشة «نايل سبورت» التي يملكها اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وأصبحت تختار المذيعين والبرامج وتملي شروطها على الجميع. رغم أنها لم تفِ بكثير من بنود العقد بينها وبين ماسبيرو، إلا أنها تختار كيفما تشاء ولا يمكن تمرير برنامج جديد على هذه القناة إلا بموافقة «بريزنتيشن» بعدما حصلت على حق رعاية قناة «نايل سبورت».

Ad

الغريب أن شركة «بريزنتيشن» اشترت الدوري المصري من اتحاد كرة القدم المصري وباعته لشركة «بروموميديا» التي باعته بدورها بمبلغ ضخم إلى قناتين، وأهدته مجاناً إلى التلفزيون المصري، ومنعت باقي القنوات الرياضية من عرضه، ما تسبب في عدم جدوى وجود بعض القنوات الرياضية على «النهار رياضة» التي فكر مالكها علاء الكحكي، الذي يملك أيضاً شركة إعلانات، في إغلاقها أكثر من مرة، لكنه ينتظر ربما يستطيع الحصول على حق عرض المباريات في وقت لاحق.

تسببت الإعلانات في إيقاف برنامجي الإعلامي معتز الدمرداش: «مصر الجديدة» على قناة «الحياة» التي أصدرت بياناً بفسخ تعاقدها معه منذ عامين بسبب ضعف المردود الإعلاني على برنامجه، ما تسبب، بشكل غير معلن، في إيقافه، الثاني «أخطر رجل في العالم» على قناة «إم بي سي مصر».

مهزلة كبرى

طالب المذيع السابق في «قناة المحور» محمد سعيد بضرورة تقنين الإعلانات ووضع رقابة صارمة عليها، مؤكداً أن الفضائيات تفرض الإعلانات على المشاهدين رغم أن من بينها ما هو قبيح وآخر خادش للحياء وثالث يستهزئ بالبدناء أحياناً وبأصحاب الأجساد النحيفة أحياناً أخرى، مشيراً إلى أن الإعلام علم يدرس في كليات الإعلام وليس كل من لديه فكرة  يقدمها على الفور. الشاعر والإعلامي فاروق جويدة الذي قدم لفترة برنامجه «مع فاروق جويدة» على قناة «الحياة»، يرى أن ما فعله الإعلان بالإعلام بمثابة مهزلة كبرى، مؤكداً أن الإعلانات هيمنت بشكل غير مقبول على نشاطات الفضائيات من برامج ومسلسلات، بالإضافة إلى تحديد أسعار المذيعين ومقدمي البرامج، مشيراً إلى أن المسلسلات أصبحت تباع بإعلاناتها وبقدرة البطل على جلب الإعلانات وليس بالمضمون أو الفكر أو المقومات الفنية والسياق الدرامي، وهو ما كان سبباً في ظهور أعمال فنية هابطة. يضيف: «أصبح اختيار البرامج على ضوء ما تجمع من إعلانات ما تسبب في هبوط مستوى البرامج على شاشات الفضائيات، لدرجة أننا أصبحنا نرى برامج تقدم لنا منشطات جنسية وعلاجاً بالأعشاب، بالإضافة إلى العلاج بالعفاريت والأرواح ونشر هذه الأفكار المتخلفة باسم الدين والطب والصحة»، موضحاً أن هذه الأمور كلها انعكست سلباً على سلوكيات المجتمع المصري وأفعاله وأقواله.

متحكّم رئيس

يوضح الدكتور حسن علي، عميد كلية الإعلام بجامعة المنيا ورئيس جمعية «حماية المشاهدين والمستمعين والقراء»، أن شركات الإعلان أصبحت المتحكم الرئيس في المحتوى الإعلامي، بعدما جفت مصادر تمويل القنوات الفضائية، مشيراً إلى أن ثلاثة أشخاص يتحكّمون بالسوق الإعلاني المصري ويسيطرون على موارده ويمنعون دخول أي أطراف جديدة، مثلما حدث مع أحد المعلنين السعوديين الذي منع من دخول السوق الإعلاني المصري.

يضيف أن المعلن يتحكم في ذوق المشاهد ويقدم له جرعات إعلامية كيفما يشاء، فباتت القنوات الفضائية والقيمون عليها لا حول لهم ولا قوة غير تنفيذ طلبات شركات الإعلان. يتابع أن المعلن يختار المذيع الذي يقدم البرامج على شاشات الفضائيات والموضوعات التي يريد إثارتها والتوقيت الذي يريده، ويفرض مذيعين ومذيعات على القنوات التي تمتثل لأوامره من دون نقاش. أما طلال صدقي (نال مجاستير في جامعة القاهرة حول أطروحة في عنوان «تأثير الضغوط الإعلانية على الأداء الإعلامي في البرامج الحوارية بالقنوات الحكومية والخاصة») فيقول: «العينة العشوائية الإعلامية التي درستها أكدت أن الوكالات تتدخل في مضمون البرامج وفي اختيار المقدم والفكرة والإعداد، كذلك نوعية الضيوف الجاذبة للإعلان وتفاصيل العمل الإعلامي من دون استثناء». يضيف أن غياب التقييم الحقيقي لنسب المشاهدة تستغله شركات الإعلان وتنشر ثقافة أن أكثر البرامج نجاحاً يتضمن أكبر نسبة من الإعلانات، رغم أن  ذلك يتنافى مع الواقع، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة من القنوات الخاصة والحكومية التي شملتها  العينة أكدت أنها تواجه معوقات أثناء أداء عملها بسبب طلبات المعلن، وأن نصف العينة في القنوات الخاصة والحكومية قد تحرم من فرص الكسب والترقي أحياناً بسبب الضغوط الإعلانية.