مرافعة : من يخاصم القضاة؟!
بعد صدور حكم محكمة الجنايات في قضية خلية العبدلي، المتهم بعض أعضائها بالتخابر مع إيران وحزب الله اللبناني وحيازة أسلحة ومتفجرات بإدانة أغلبية المتهمين في القضية، ارتفعت الدعوات المطالبة بإقرار قانون مخاصمة رجال القضاء عن الأخطاء التي تصدر منهم، رغم أن الاقتراح بقانون موجود في أدراج مجلس الأمة منذ عام 2009، وتمت مناقشة المجلس الأعلى للقضاء في بنوده، ثم ألحقته الحكومة العام الماضي، في مسعى منها للتخلص من كلفة الأحكام القضائية التي حصل عليها رجال القضاء وأعضاء النيابة، بمشروع قانون آخر تضمنت مواده إمكانية مخاصمة رجال القضاء، لكن السؤال الأهم؛ لماذا الآن وبعد صدور حكم قضية خلية العبدلي؟لم يكن الأمر مقصورا على الدعوات التي انطلقت من بعض النواب المقاطعين للجلسات عقب صدور حكم الخلية من محكمة الجنايات، لإقرار قانون مخاصمة القضاء، بل تطور الأمر إلى الطعن برجال القضاء والتشكيك في حياديتهم، والتلميح بأنهم يحكمون وفق المذهب، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك، بأن يُسند الأمر في الفصل بالنزاعات التي تحدث بين القضاة ومن يخاصمهم إلى لجنة إدارية تابعة للديوان الأميري، بذريعة أنه لا يمكن أن يفصل في النزاع بين القاضي والمتقاضي العادي قاضٍ أيضا، بل لجنة إدارية مستقلة!
كل تلك التداعيات، بسبب حكم قضائي ابتدائي صادر من محكمة أول درجة، على خلفية إدانة محكمة لمجموعة من المتهمين، وقد ينتهي قضاء التمييز فيما بعد بإدانتهم أو تبرئتهم أو تبرئة بعضهم، لكن السؤال؛ هل ردة الفعل من بعض النواب لإقرار قانون وفق هذه الكيفية المشوهة والمخالفة للدستور تهدف إلى لي ذراع القضاء، أم التضييق على رجاله، رغم أن الدستور يؤكد بوضوح أنه لا سلطان على القاضي، وكيف للجنة إدارية تتبع الديوان الأميري أن تفصل في النزاعات التي تحدث بين القاضي والمتقاضي؟! وهل ما تصدره تلك اللجنة بمثابة حكم أم قرار؟ أم ماذا؟ إذا سايرنا أصحاب الاقتراح، واتفقنا على أن ما تصدره اللجنة تلك يعد حكما، فهل ما يصدره هذ الشخص الإداري، أياً كان منصبه يكون حكما قضائيا؟ وهل يجوز الطعن عليه؟ وما الجهة التي نطعن عليها؟ هل إدارية كذلك أم قضائية؟ولنساير كذلك أصحاب المقترح، بأنه في حال لو أصدرت اللجنة الإدارية التي تتبع الديوان الأميري قرارا بتعويض متقاضٍ ضد قاضٍ، بعد ثبوت خطأ الأخير، هل سيفتح ملف للتنفيذ ضد القاضي؟ وهل يجوز أن تكون القرارات الصادرة عن اللجان سندا تنفيذيا وقابلة للتنفيذ؟وإذا لم يجد أصحاب المقترح إجابات عن التساؤلات السابقة، فلهم أن يحددوا لنا نموذجا آخر يوضح شكل فكرة مخاصمة القاضي، رغم أنها فكرة مرتبطة بثبوت الخطأ الجسيم الصادر من القاضي، بسبب إهمال شاب حكمه، ومثل هذا الخطأ يجب أن يكون مهنيا، وليس قانونيا، لأنه إذا كان قانونيا، فالمحاكم الأعلى سوف تتصدى له وترد عليه، بالرفض أو القبول، وبالتالي فالخطأ القانوني لا يمكن محاسبة القاضي عليه، طالما تمسك به الخصم أمام المحاكم العليا، وانتهت الأخيرة بالرفض أو التجاهل، وعندها لا يمكن تحميل القاضي الابتدائي ذلك الخطأ، لأن هناك محاكم عليا تراقبه، وعبء التمسك أمامها بذلك الخطأ القانوني يكون عبئا على المتقاضي نفسه.المطالبة بمخاصمة رجال القضاء يجب أن تكون أحد الأفرع التي يجب أن يتضمنها قانون استقلال السلطة القضائية إداريا وماليا عن السلطة التنفيذية، لا بمعزل عنه. وإن كان الهدف الإسراع في تحقيق فكرة المخاصمة، فيجب أن تكون من المختصين من رجال القانون، وممن لا تجمعهم مصلحة في التشريع سوى التنظيم، علاوة على أن نتفق جميعا، بأنه لا يمكن أن يخاصم القضاة سوى القضاء نفسه، بإسناد ذلك الاختصاص لمحكمة التمييز أو الاستئناف، ولا يمكن لأي جهة إدارية أن تسلب هذا الاختصاص من القضاء، وإلا اختلت فكرة التوازن بين السلطات التي أرادها الدستور.