«عطارد» والأدب المنفّر
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
كنت أبحث عن الرواية حتى وجدتها لأقف مصدوماً أمام كم الابتذال والسوقية اللغوية التي اختارها الروائي لنصه الفانتازي، والذي حاول أن يسقطه على الوضع السياسي والاجتماعي في مصر فسقط منه. ويبدو أنه تعمد اللجوء إلى هذا السقوط وتهاوى النص بين سلسلة من الحكايات الفانتازية كان عمادها التحرر من رقيبه الداخلي واللجوء إلى رواية "بورنو" بشع لم تخدم النص الأصلي ولا تمت إليه بصلة. لم يتمكن الروائي بالرغم من خياله الفانتازي الخصب من الإمساك بالخيط الرفيع بين الحسي والإباحي وبين الوصف الغرائزي والابتذال. وليعذرني مَن لم يقرأ الرواية لأنني لا أستطيع اقتباس أي كلمات إباحية وسوقية وردت في الرواية احتراماً لمقام المقال وذائقة القارئ، وبإمكان القارئ العودة إلى الرواية.أما الهدف من المقال فهو هذا السرد الغريب للإباحية المنفرة والفجاجة التي رأى الكاتب أنها تستهوي القارئ معتمداً على نجاحات سابقة لروايات مماثلة، وبعضها وصل إلى "البوكر" أيضاً كرواية علوية صبح "اسمه الغرام" والتي ناقشناها يوماً ما في هذه الزاوية، وإن كانت أقل فحشاً وبذاءة من رواية عطارد. ولكن الحقيقة أن رواية محمد ربيع ستماثلها في الشهرة المؤقتة وتنتهي إلى لا شيء.الأعمال التي تترك أثراً أدبياً راقياً وقيمة أدبية حقيقية ليست هي الأعمال التي يراد لها أن تعيش لحظة انتشار كعمل مخالف للسائد ومعتمدة على الفحش واللغة المقززة. وهذا ليس نقداً رقابياً أرى أن الكاتب هو المسؤول الوحيد عنه، وإنما البحث في مدى خدمة هذه اللغة والأوصاف والمشاهد الإباحية للخط الدرامي للرواية، والقارئ حين يجد أن الروائي أوغل في تعمد البذاءة في الكتابة لمجرد أن يرى في عمله كتابة متحررة من القيود ربما يقرأه مرة وينفر منه إذا كانت هذه مدرسته الأدبية التي يعتمدها. وما يجعل هذه الكتابة بعيدة عن صنع مدرسة أدبية هو التمادي في مشاهدها الإباحية وتكرارها.يقدم محمد ربيع لنا القاهرة التي حولها إلى أوكار رذيلة وساحات دماء وقتال ومزابل وما قدمه صورة سوداوية كما يراها هو، والأخطر هو تعميمها لتكون الصورة البانورامية الوحيدة والمشهد الأوحد الذي ينظر من خلاله. فالراوي لا يرى سوى أوكار الدعارة والحشيش أو "الكربون" والمزابل ومساحات القنص والقتل والأشلاء والدماء والشخصيات المريضة التي تساوت بشكل غير مقنع في بذاءتها. وربما لم ينتبه الروائي إلى أنه لا يعالج حالة شخصية لبطل من أبطاله، بل يعالج مدينة بحجم القاهرة، المدينة التي هزمت كل القبح الذي تحدث عنه.