ذات يوم ... يوميات ألف عام وأكثر
{لا يكتب التاريخ الصمت بل يدون حركة وفي الحركة حياة وفي الحياة قصصٌ وبطولات وأبطالٌ وظلالٌ وألوان ورتوش ونساء ورجال كاليواقيت وآخرون كالتوابيت لا نفع لهم وفي كتاب «ذات يوم» تجد التاريخ رديفاً لك وقصصه تصاحبك أينما كنت في البيت أو في الشارع وعلى المقهى تجده ممسكاً بنارجيلته يحكي لك كل يوم حكاية جديدة}.
تصدر الهيئة العامة المصرية للكتاب قريباً الجزء الثاني من كتاب {ذات يوم ... يوميات ألف عام وأكثر} للكاتب الصحافي سعيد الشحات الذي يواصل فيه تقديم الأحداث التاريخية بإعادة تسطيرها مجدداً وفق قراءة تقوم على تفكيكها وإبراز جوانبها المختلفة وكشف المسكوت عنه وتبيان حقائق قد تضيع بالإهمال أو بالصمت عن أهواء من كتبوها في الماضي.يتضمن الجزء الثاني 365 حدثاً تاريخياً. وكلّ حدث يحمل تاريخ يومِ ربما مرّت عليه مئة عام أو ألف عام أو عشرون وهكذا دواليك. لكن الشحات لا يكتفي برصد وقائع هذا اليوم بل يختار حدثاً واحداً يغوص في ما ورائه منقباً عن دوافعه وأبطاله الحقيقيين والمنسيين في أحيان كثيرة مستعيناً في ذلك بكثير من المراجع التاريخية والكتب والشهادات الموثّقة لراحلين وأحياء ويعيد سرده بلغةٍ مكثفة واعية تحمل خصائص ودراما الحدث ذاته دون تحيز أو مبالغة ودون توهم أو إدعاء بكتابة {التاريخ}، فما يكتبه هو أقرب {للتأريخ} أي جهد مبذول للاطلاع على الماضي ورواية أخباره. أحداث ورواياتيستعرض الجزء الثاني كثيراً من الأحداث منها القديم والموغل في القدم والحديث ولا يقتصر على الأحداث السياسية فحسب بل الأدبية والفنية والاجتماعية أيضا فيكتب عن توقيع الروم لـ}صلح الإسكندرية}مع عمرو بن العاص ورسالة ابن العاص إلى عمر بن الخطاب تحمل خبر فتح الإسكندرية وعن الثورة العربية وسفينة المنفى التي تصل بزعماء الثورة إلى سيلان، وعن أمراء وأفراد من العائلة المالكة وهم يعلنون تأييدهم ثورة 1919، ونابليون عندما يضلّ طريق العودة إلى السويس واعتقال سعد زغلول في الثامنة والربع صباحاً، واغتيال راسبوتين قيصر روسيا وصدمة الأسد من السادات في اجتماعه الأول مع كيسنجر وواقعة اغتيال أديب نوبل نجيب محفوظ وقيام إرهابي {نقاش} بغرس السكين في رقبته وعن وفاة رائد المسرح الغنائي الشيخ سلامة حجازي وهو يستمع الى قصيدة يغنيها تلميذه وتمتدح عبقريته، كما يكتب عن وفاة المطربة ألمظ وهي تتلو القرآن فجراً ووفاة ليلى مراد بعد رفضها إغراءات إسرائيل كلها، ولقاء الساعة وأربعين دقيقة بين الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان وعبد الناصر، وعن واقعة القبض على عبد الله النديم في قرية الجميزة بمحافظة الغربية بعد بلاغ من حسن الفرارجي، وعن اعتقال إسرائيل للشاعر الفلسطيني محمود درويش في حيفا والتي علق عليها الأخير قائلاً: {لهم الليل والنهار لي} وعن أم كلثوم وقيام الملك فاروق بمفاجأتها بحضور حفلها في النادي الأهلي لإغاظة مصطفى النحاس .وهنا القص أو بالأحرى فنّ القص أحد أدوات المؤلف - من سمات الراوي الأديب – حيث اختار الشحات عنوان {ذات يوم} كأشهر افتتاح لبدء الحكاية ليأخذ بتلابيب القارئ ولا يتركه إلا مع نهاية اليوم كما اختار ما يسمى بـ{شخصنة} الأحداث ما أتاح لقلمه أن ينساب سرداً شيقاً يحمل الحسّ الإنساني أينما ذهب مجدولاً بدراما الحدث وهذا الخيط الدرامي هو الأقرب للتوصّل إلى الحقائق وجوهر ما يكتبه المؤلّف ليكتشف ونكتشف معه أوجهاً أخرى للتاريخ نعيد رؤيتها مجدداً وتساعدنا على فهم ليس الماضي وحده فحسب، بل إدراك الحاضر كذلك.