إعادة إحياء مشاريع الجزر والمنطقة الحرة، والتراجع عن خصخصة "الكويتية"، يشيران إلى أن لدينا سياسات حكومية لا تحترم الوقت، ولا تحاسب المتقاعس، وتفرط في فرص سهلة.

Ad

خلال الأسبوعين الماضيين قدمت الحكومة 3 شواهد على ضعف إدارتها للملف الاقتصادي، عبر استحضار عدد من المشاريع الحيوية القديمة، أو التراجع عن خطوات كانت قد مضت فيها إلى مراحل متقدمة.

فإعلان الحكومة مشروع استغلال الجزر الكويتية وتطويرها، لتكون واحدة من أهم المداخيل غير النفطية، سبق اعتماده من مجلس الوزراء عام 2001، وتشكل على أثره عام 2002 جهاز حكومي متخصص في تنفيذ اتفاقيات المنطقة المقسومة وتطوير الجزر الكويتية والمشروعات الكبرى!

وكذلك بالنسبة للمنطقة الحرة التي أعلن عنها مجلس الوزراء في منطقة النويصيب هذا الأسبوع لتكون واحدة من كبرى المناطق الحرة على مستوى العالم، فهي لا تختلف عن المنطقة الحرة شمال الكويت، التي اعتمدها مجلس الوزراء عام 2003، والتي كانت أيضا تستهدف أن تكون أكبر المناطق الحرة في العالم... وبالطبع إن حدث أي تطور خلال هذه السنوات على صعيد الجزر كان سيحدث نفس هذا التطور على صعيد المنطقة الحرة في شمال الكويت قبل جنوبها.

ضياع 8 سنوات

أما الحالة الثالثة فتتعلق بالتراجع عن ملف مهم بعد موافقة اللجنة المالية البرلمانية والوزير المختص على تعديلات قانون شركة الخطوط الجوية الكويتية، وإلغاء مشروع الخصخصة، بحيث ترتفع حصة الدولة إلى 75 في المئة من رأس المال، رغم جهد لا يقل عن 8 سنوات في العمل على خصخصتها وصدور قانون خاص لها.

هذه الشواهد الثلاثة تشير إلى مجموعة من النتائج أولاها عدم احترام الجهاز التنفيذي للوقت، فعندما يتم استحضار مشاريع مضى عليها على الأقل 13 عاما، أو مسح جهد فاق 8 سنوات، لتغيير رؤية كاملة من أساسها، فهذا يعني أن الوقت عنصر غير مهم في إدارة الدولة، رغم أنه في دول أخرى يمكن أن يكون أهم من المال، خصوصا إذا كان مرتبطاً بشكل أساسي بعدم الإنجاز أصلا، وليس انحرافه عن أهدافه.

ربكة حكومية

ثاني النتائج تتعلق بعدم وجود محاسبة لأي تقصير في الأداء الحكومي، فمن يضمن ألا يأتي عام 2035 «موعد الرؤية الحكومية» ومشروع الجزر لم يبدأ والمنطقة الحرة لم تعمل؟ وثالثها أن الاستعجال في إعلان المشاريع القديمة حاليا يشير إلى «ربكة» داخل الجهاز التنفيذي من سؤال بات متكررا مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وهو: ماذا كان دوركم خلال سنوات الوفرة المالية في تنويع مصادر دخل بديلة أو مساندة تمويل إيرادات الميزانية العامة؟ فكان الهروب إلى الأمام عبر إعادة استحضار مشاريع ظلت سنوات طويلة «محنطة» في الأدراج، بغية شراء الوقت، وإيهام المجتمع بوجود مشاريع حقيقية على أرض الواقع.

ورابعها أن التراجع عن خصخصة «الكويتية» هو بلا شك تضييع غير مبرر لنموذج كان من الممكن أن يقدم للناس، ليظهر قدرة الحكومة من عدمه على تخصيص أي قطاع مستقبلي، فمن يتراجع عن تحويل ملكية شركة طيران سهلة التخصيص رغم الانتهاء من هيكلتها إداريا وماليا سيفشل في خصخصة قطاعات أخرى معقدة، كالكهرباء والموانئ وغيرهما بلا أدنى شك.

إن الاعتراف بالفشل في الدول المؤسساتية يعني كثيراً من الأمور، منها تنحي من تسبب في الفشل واتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأسباب، أما في الكويت فلا حرج من إعلان الفشل، والعمل مع الأشخاص أنفسهم، والآلية والبيئة التي تسببت في ما حدث، لذلك نرى أن التراجع بات متكرراً في أكثر من مجال، ولا يقتصر فقط على إعادة استحضار مشاريع قديمة لتلافي النقد من أزمة حالية.

قرارات جدية

معالجة الملفات الاقتصادية والمالية، خصوصا في زمن العجز المالي، تتطلب قرارات جدية أكثر من إعادة إحياء مشاريع قديمة... فالكويت اليوم أمام تحديات تستوجب بذل جهد أكبر في تنويع سوق العمل وتطوير الاقتصاد، وإطلاق خطة تنمية حقيقية بأدوات قياس عملية، إلى جانب أن تصب كلها في معالجة اختلالات الميزانية كإعادة هيكلة التركيبة السكانية ورفع المداخيل غير النفطية، وخلق فرص عمل خارج القطاع العام، وأن تكون للكويت خطة استراتيجية يجري تقييمها سنويا وفصليا، بدل بيع الوهم على مدى 13 عاماً، في الحديث عن التحول إلى مركز تجاري ومالي بلا أي نتيجة حقيقية على الأرض.

فتقلبات أسعار النفط لدولة لا تعرف غيره مصدرا في إنفاقها الباهظ، تتطلب البدء في إجراءات فعلية على الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة، لا مجرد توجيهات يعلم من يتابع الإجراءات الحكومية أنها تنتهي مع انتهاء اجتماع مجلس الوزراء، لذلك كان من المفترض أن يتم اتخاذ قرارات حقيقية لها أثر ملموس في الميزانية والإيرادات العامة، الأمر الذي يستوجب على مجلس الوزراء أن يتولى متابعة هذه الخطط لمعرفة نتائج التنفيذ.

المشاريع والجزر والمناطق الحرة كلها إيجابيات وفوائد على صعيد الميزانية والاقتصاد والسوق، بشرط ألا تكون «كإبر بنج» هدفها طمس ردة الفعل على ضياع سنوات طويلة من الفوائض بلا إنجاز، أو أن تشهد بعد فترة تراجعا من حيث أصل الفكرة، كما حدث مع تخصيص «الكويتية»، وضياع نحو عقد من الزمن في إجراءات تخصيصها ثم التراجع عنه.