لا يمكن وصف الدعوة الحكومية للتقشف إلا أنها دعوة حق أراد بها البعض باطلاً، فالتقشف وما يثيره وما يخلفه من تأثيرات وتداعيات، كما تصفه الحكومة، دليل على الإفلاس وفشل الحكومات المتعاقبة التي تعلم قبل غيرها أن الاعتماد على مورد وحيد للدخل يمثل مخاطرة ومجازفة غير محمودة العواقب، وقد حذرنا، كما حذر غيرنا في السنوات السابقة، من تقلبات السوق أو أي مخاطر أخرى كاكتشاف مصادر بديلة للطاقة، وكان الأولى والأحق أن نبتعد عن هذه الأفكار والمسميات التي تثير الشجون والهموم في مجتمع انتشرت فيه ثقافة الإسراف والبذخ على المستوى الرسمي قبل الشعبي منذ سنوات طوال، حتى بات ذلك ثقافة يتميز بها الشعب الكويتي.

Ad

 لذلك وجدنا الغرابة والاستهجان الشديدين لمثل هذه الدعوة، فشدّ الحزام على البطن هو من نوع ما يطلق عليه السهل الممتنع، فليس من السهولة تطبيقها وبشكل مفاجئ بعد عقود من العيش الرغيد، وفي ظل بيانات ومعلومات متضاربة، والشعب الكويتي في سواده الأعظم يعلم علم اليقين أن أسعار النفط لا تحركها ميكانيكية وآلية توازن العرض والطلب أو توازن السوق الطبيعي في ظل الظروف الطبيعية، إنما تم استخدام هذا المورد الاقتصادي في حرب معلنة أو باردة لتحقيق مصالح سياسية بين القوى الكبرى المتصارعة.  حتى لو قبلنا ما يحدث وأنه خارج إرادتنا فإن من حقنا التساؤل عن ثرواتنا ومدخراتنا واستثماراتنا التي كانت المنتديات الاقتصادية تطنطن بها، ويتحدث المسؤولون عنها بنوع من الزهو، وأنها تمثل نقلة نوعية، وهي من باب تنويع مصادر الدخل، ومن حق الشعب الكويتي ألا يصدق الحكومة ولا مجلس الأمة عن التقشف، وهو محق في ذلك بناء على ما توافر له من أرقام فلكية وخيالية عن الأرصدة والمدخرات المالية، ثم خلال أشهر يسمع عن عجز الموازنة العامة.  فكيف له أن يصدق تلك الدعوات وهو يرى الكويت في عز أزمتها تتبرع بالمليارات هنا وهناك؟ وكيف له أن يصدق وهو يرى كيف يتم توزيع المنح والهبات المالية على بعض الوافدين بينما يحرم المواطنون، وكأن الحكومة تقول له نحن لا نهتم بك اذهب للجحيم، فأنت لا تمثل لنا شيئاً؟ كيف له أن يصدق أن هناك عجزاً وهو يرى أن كل الخدمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية يستنزفها الوافدون؟  حكومتنا الرشيدة إن كان قد بقي لديكم بقية من رشد فإن تغيير الأنماط الاستهلاكية ليس بالأمر الهين والسهل، فإذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، ابدؤوا بأنفسكم كوزراء وقياديين في رواتبكم ومميزاتكم والهبات المجانية التي تمنح لكم، ابدؤوا بترشيد الإنفاق والبذخ والإسراف في تعاقدات وزاراتكم، وفي تقدير يكون أقرب إلى الواقع في موازنة وزاراتكم واحتياجاتها الفعلية، قللوا من مهمات السفر أو السياحة الرسمية، فلن يصدق المواطن حقيقة العجز إلا إذا لمس وشاهد بأم عينيه ما تقومون به.

 ولن يعترض المواطن على أي زيادة قد تفرض إذا طبقت أولاً على الحكومة، ولن يعترض المواطن على أي زيادة قد تفرض إذا طبقت أولاً على القطاع الخاص، ولن يرفض المواطن أي زيادة إذا فرضت أولاً على الوافدين لانتفاعهم بكل الخدمات واستنزافها، ويحق للجميع أن يتساءل: لو ارتفعت أسعار النفط خلال الربع الثاني من هذه السنة، كما يتوقع خبراء الاقتصاد والنفط، فهل ستعود حليمة إلى عادتها القديمة؟ وإن لم يحدث ارتفاع بأسعار النفط الخام فما الإجراءات الحكومية لتأمين مستقبل الأجيال القادمة؟ وهل ستحذو حذو حكومة دولة الإمارات الشقيقة، وهي أقل من الكويت إنتاجاً وأكثر منها التزاماً دولياً، بل تخوض في الصراعات الدولية حتى الانغماس، ومع ذلك ستحتفل كما يخطط المسؤولون بآخر برميل نفط، أو كما تفعل قطر؟

 يا جماعة الخير، والله وبالله وتالله إنها ليست أزمة نصوص وقرارات وموارد مالية، بل أزمة نفوس ونقص ثقة بين المواطن والحكومة، وبعض من يحاول تحويل المجتمع الكويتي إلى طبقتين تجار ومسحوقين، وربنا يحفظ الكويت من بعض أبنائها قبل غيرهم، ويا معلم الناس علّم نفسك، والحافظ الله يا كويت.