يدير شؤون جمهورية الصين أناس يعشقون إقامة الاحتفالات التذكارية، على سبيل المثال بدأ اليوم الاستعداد للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي عام 2021 (رغم أن هذه الذكرى تقع بعد خمس سنوات) مع الأهداف المئوية التي ينادي بها كسي جين بينغ ورفاقه منذ سنة تقريباً، أضف إلى ذلك ذكرى بدء الإصلاح (40 سنة عام 2018)، الذكرى الأربعين لوفاة ماو تسي تونغ (في سبتمبر هذه السنة)، وغيرهما من الاحتفالات الصغيرة والكبيرة التي تملأ روزنامة القادة، شاغلة مقداراً كبيراً من وقتهم نظراً إلى كم المناسبات التذكارية التي عليهم حضورها.
لكن الترجمة التي نُشرت أخيراً لمذكرات الباحث السنسكريتي جي كسيانلين عن مرحلة الثورة الثقافية تساهم على الأرجح في توضيح جزء من تردد القيادة في التوقف كثيراً عند أحداث أواخر ستينيات القرن الماضي. فيصف كتاب The Cowshed (زريبة البقر) مصير جي عندما تصادم مع المتشددين في جامعة بكين، وبما أن هذه الرواية موجزة وصريحة، فيبدو وصف جلسات الصراع التي عاناها من أهداف الحملة أكثر فاعلية وتأثيراً، حتى الجرذان في تلك السجون المبتكرة، التي كانت تضم مَن اعتُبروا أعداء الشعب، تعاملت بقسوة مع ضحايا الثورة الثقافية، سارقةً بوقاحة طعامهم. يذكر جي بمرارة: «ربما أدركت الجرذان نفسها أن نزلاء هذا المبنى ليسوا بشراً عاديين بل أوغادا يمكنها إساءة معاملتهم إن شاءت».ما زالت الثورة الثقافية تُذهل الغرباء حتى اليوم ربما لأن مسرحها الحالك وتطوراتها القاتمة تُعتبر فريدة من نوعها، صحيح أن ستالين عقد محاكمات صورية وحشية ونفذ حكام مستبدون آخرون عمليات تطهير عنيفة، ولكن من الصعب العثور على مثيل لهذه الحركة التي تعرضت لملاحقة حثيثة مماثلة من هذا الكم الهائل من الناس، فقد بدت أقرب إلى الجنون الجماعي منه إلى حركة شعبية، إلا أن هذا الجنون كان له خصائصه وإحداثياته الثقاقية الصينية المميّزة، فأراد ماو على الأرجح الترويج للصراع الثوري في الخارج في تلك الفترة، ولكن حتى الاتحاد السوفياتي والدول الشيوعية الأخرى نظرت بتعجب إلى ما كان يحدث في الصين، فقد بدا استثنائياً.قد يعلل هذا الصمتَ الذي نلاحظه اليوم مع اقتراب الذكرى الخمسين لبداية الثورة الثقافية نجاحُ القادة الصينيين في تحميل العالم الخارجي مسؤولية أخطائهم خلال العقود القليلة الماضية، فقد صُوِّر أنصار الإمبراطور، اليابانيون، والأميركيون، والسوفيات في أواخر خمسينيات القرن الماضي على أنهم متنمرون يريدون إلحاق الأذى بالصين وتوليد المشاكل فيها. فتعود، مثلاً، القفزة العظيمة إلى الأمام عام 1957 إلى خيانة السوفيات والمجاعات التي تلت، أما انتفاضة عام 1989 فتُعزى إلى الاستفزازات الدولية بقيادة الولايات المتحدة والرغبة في الاحتواء، إذاً لطالما احتل العالم الخارجي مكانة بارزة بين الملومين، عندما يسعى القادة الصينيون إلى تحديد مَن يتحمل المسؤولية الكبرى عن المشاكل داخل الصين.لربما كان هذا صحيحاً في بعض الحالات، فلا أحد ينكر الأذى الذي تسبَّب به أنصار الإمبراطور ومن ثم الاعتداء الياباني في الصين، ولكن مع الثورة الثقافية، التي وصفها الحزب الشيوعي نفسه في قراره التاريخي الشهير عام 1981 بالكارثة الكبرى، تواجه الصين كارثة جلبتها هي على نفسها من دون أي تدخل خارجي، لذلك لا تُعتبر هذه الثورة مجرد حدث مؤسف، بل تشكّل أيضاً في النفسية الوطنية الصينية تطوراً مخزياً، ومصدر خجل، ومسألة على الصين وحدها مواجهتها.لا يلزم القادة الصينيون اليوم الصمت لأنهم يرفضون الثورة الثقافية ومعناها أو لأنهم يشعرون بالغضب والمرارة تجاهها، بل يعود موقفهم هذا على الأرجح إلى أن هذه الثورة، وإن كانت شعبية ورائجة جداً في تلك الفترة، تشكّل راهناً مصدر إحراج كبيراً وتطوراً يُشعر الصين بالخزي الشديد، ولهذا السبب بالتحديد، يودون أن ينسى الناس داخل الصين وخارجها هذه الثورة، ولكن بفضل مذكرات جي كسيانلين وغيره، لن يحققوا غايتهم على الأرجح، فتمثّل الثورة الثقافية جزءاً كبيراً من التاريخ الصيني المعاصر، ومهما كانت معقدة وغير ملائمة فمن الضروري تأمل ودراسة واقعها وما تعكسه عن شعب الصين، ومجتمعها، وسياساتها.كيري براون
مقالات
الثورة الثقافية تغرق في الخزي
20-04-2016