هزيمة «داعش» تتطلب حرباً طويلة
ثمة تناقض مخيف بين التحذيرات القاتمة التي تسمعها في الجلسات الخاصة مع قادة الجيش بشأن الحرب ضد «داعش» ونقاط التحاور المقنعة التي يقدمها سياسيون جمهوريون وديمقراطيون.يستفيض السياسيون بالكلام عن إنزال الهزيمة بالإرهابيين، إلا أنهم قلما يأتون على ذكر الكلفة والتضحيات المطلوبة، وفي المقابل يدرك الجنرالات والأميرالات، أن من المستحيل تحقيق النصر من دون تكبد كلفة كبيرة، فيتطلب إنزال الهزيمة بهذا العدو من الولايات المتحدة التزاماً أكبر وأطول مما استعداد أي سياسي للإقرار به.
أتت زيارتي قبل أيام إلى مقر القيادة المركزية ضمن إطار مؤتمر نظمه مركز التحليلات البحرية، الذي يقدم الأبحاث والخدمات الأخرى للبحرية، وتمنعني القواعد الأساسية من تحديد أسماء مَن تحدثت إليهم، إلا أنني أستطيع أن أقدم خلاصة ما سمعته، علماً أنه لم يبدُ مطمئناً.يدرك القادة العسكريون أنهم يخوضون حرباً ضد عدو لا يرحم، عدّل مناوراته وكيّفها مع انضمام الولايات المتحدة وشركائها إلى الحرب قبل نحو 18 شهراً، صحيح أن المجاهدين خسروا 25% تقريباً من المناطق التي سيطروا عليها في منتصف عام 2014، إلا أنهم طوروا أساليب مبتكرة للتعويض عن هذا الضعف.تُظهر بعض الأمثلة مرونة قادة «داعش»: يستخدمون أنفاقاً وأساليب اختباء أخرى لإخفاء تحركاتهم، طوروا آليات مفخخة هائلة الحجم، فوضعوا المتفجرات في جرافات وغيرها من المعدات الثقيلة وأرسلوها بأعداد كبيرة ضد أهدافهم. نشروا طائرات صغيرة من دون طيار للقيام بالمهام الاستطلاعية، وربما يجهزون طائرة مسلحة من دون طيار، كذلك استخدموا أسلحة كيماوية مثل الكلور وغاز الخردل في ساحات القتال، وقد يوسعون استعمال هذه الأسلحة غير التقليدية.تعلم القادة الأميركيون كم من الصعب إنشاء قوة سنية قد تساهم في استعادة الأراضي الواقعة راهناً تحت سيطرة «داعش» والحفاظ عليها في العراق وسورية، فلا يثق زعماء القبائل السنّة بالولايات المتحدة، ويشكون في قدرتها على المواصلة، وقد عززت الجهود الأميركية لتفادي وقوع ضحايا ورفضها «إنزال الجنود على الأرض» الشعور بأن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية تهدف إلى الاحتواء لا النصر. تشمل التجارب المؤلمة برنامج «التدريب والتجهيز» الذي نظمته وزارة الدفاع الأميركية وبلغت كلفته 500 مليون دولار، والذي يهدف إلى بناء قوة معارضة سورية تستطيع مهاجمة «داعش» والحفاظ على الأراضي بعد ذلك، إلا أن هذا الجهد انهار السنة الماضية لأن عدداً كبيراً من المجندين المتوقعين لم يحضر، أما العدد القليل الذي شارك، فسقط سريعاً في ساحة القتال، ومن بين الدروس الأخرى التي تعلموها صعوبة العثور على مقاتلين حقيقيين وتدريبهم، وتبدل بيئة القتال في سورية وعدم استقرارها، وصعوبة التعاون مع شركاء إقليميين، مثل تركيا، لأنهم يملكون أجنداتهم الخاصة.أما الدرس الأعمق فهو أن تدريب قوة عسكرية يُعتمد عليها وتلتزم بالقيم والمعايير الغربية يحتاج إلى عمل جيل بأكمله، ونتيجة لذلك تؤدي رغبة الولايات المتحدة في تحقيق النتائج بسرعة إلى الاستياء وخيبة الأمل، فيُظهر واقع هذا الصراع المرير أن السياسيين (والشعب الأميركي) لا يبدون مستعدين لمواجهة حقيقة أن النصر يتطلب التزاماً يدوم عقوداً.تكمن المفارقة في أن تصميم الولايات المتحدة على حماية جنودها قد يشكل أحد أسباب هزيمتها، فيرى الحلفاء والخصوم القوات الأميركية التي تعيش في مجمعات آمنة، تتناول الطعام الفاخر، وتحد من تعرضها للاعتداءات الإرهابية المحتملة، قد تزعم الولايات المتحدة أنها تقاتل إلى جانب حلفائها، ولكن على الأرض يبدو الوضع مختلفاً. صحيح أن العيش فعلاً والقتال إلى جانب حلفائنا في العراق وسورية يُعتبر أكثر خطورة بكثير إلا أنه قد يكون الطريقة الوحيدة لبناء تحالف متين ينجح ذات يوم في اقتلاع المتطرفين.لنقارن هذه التحذيرات القوية التي يطلقها قادة اختبروا حربي العراق وأفغانستان مع كلام القادة السياسيين، فقد تعهد أوباما: «تبقى أهم أولوية حماية الشعب الأميركي وملاحقة الشبكات الإرهابية»، ومن ثم أعلن بعد دقائق أن هذه الشبكات «لا تهدد وجودنا الوطني»، لكن هذا يبعث برسالة متناقضة شبيهة بما قدمته هيلاري كلينتون خلال حملتها.يُعتبر كلام الجمهوريين الغاضب عن «داعش» أكثر سوءاً، وخصوصاً أنهم يعِدون بالنصر الكامل من دون أن يحددوا مستوى الالتزام أو التضحيات الضرورية، فتبدو ردود فعل الجمهوريين قوية، من قول دونالد ترامب «لنمطرهم قنابل» إلى تأكيد السيناتور ماركو روبيو في مناظرة الأسبوع الماضي أن «الجيش الأقوى في العالم سيدمركم». سيرث الرئيس التالي حرباً متوسعة ضد خصم إرهابي عالمي، ولم تبدأ بعد المناظرة الفعلية حول الطرق الفضلى لإنزال الهزيمة بهذا العدو.* ديفيد إغناتيوس | David Ignatius