عمّ الحماس العراقيين المؤيدين للدولة وسيادة القانون، حين تحرك الجيش نحو مدينة الرمادي غرب العراق، وتمكن من دفع «داعش» إلى مساحات بعيدة نسبياً، وتكرر ذلك الحماس حين تحركت قطعات مدرعة نحو البصرة على رأس الخليج، بعد أن عجزت الشرطة المحلية عن تطويق نزاعات تتكرر شمالي المدينة بين عشائر صارت تتسلح بشكل أفضل بعد كل معركة يخوضها الحشد الشعبي مع «داعش» ويعود بالغنائم الحربية إلى المنطقة الشيعية.

Ad

وتبرز مشاعر وطنية بين حين وآخر لتراهن على الجيش بوصفه فرصة لإثبات هيبة الدولة ضد الجماعات المسلحة، الشيعية والسنية، التي أرادت بناء دويلات متشددة عدة في مناطق نفوذها الطائفي.

لكن حيدر العبادي رئيس الحكومة، يبدو غير قادر على استثمار هذا الحماس الشعبي لفرض القانون، لذلك بقي شبه متفرج على أحداث العنف بين السنة والشيعة في ديالى، وفضّل أن يرسل المدرعات جنوباً إلى البصرة لفض نزاع داخل الطائفة الشيعية!

فمساء الأحد الماضي، تمكن مسلحون من «داعش» من اختراق الضاحية الشيعية شرق بغداد مستهدفين سوقاً تجارية في عملية خاطفة أربكت الحركة في العاصمة لساعات، وتزامناً مع ذلك قام مسلح في ديالى المختلطة قومياً ومذهبياً، بتفجير مقهى يرتاده الشباب، فعمدت الميليشيات الشيعية إلى الانتقام العلني من المجتمع السني وفجّرت نحو خمسة جوامع للسنة، ونفذت الإعدام بعدد غير معروف من المدنيين.

ورغم أن رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري قطع زيارة رسمية للبنان وعاد مسرعاً إلى العراق ليتابع الانفلات الأمني في ديالى الواقعة على الحدود الإيرانية، وخصوصاً مسقط رأسه «شهربان»، فإن العبادي تجاهل أول الأمر حوادث ديالى، وذهب إلى زيارة البصرة مصطحباً قوة مدرعة، إثر مطالبات اجتماعية، ومخاوف عمالقة البترول الأجانب الذين تؤرقهم أصوات المدفعية متوسطة المدى المستخدمة في حروب القبائل قرب حقول النفط!

وأمس الأول، ذهب العبادي أخيراً إلى ديالى لكنه اكتفى باستخدام عبارات عامة جداً في إدانة الهجمات المنفذة ضد الجوامع السنية، بل أوحى بأن تنظيم «داعش» هو الذي يريد إثارة الفتنة، في ما يشبه تبرئة للميليشيات المقربة من إيران، التي تسيطر على ديالى بشكل شبه كامل.

وأكثر الأشياء غرابة في كلمات العبادي أثناء الزيارة، أنه «دعا إلى اعتقال المجرمين» في هذا الملف، ثم استقل المروحية وعاد إلى العاصمة.

ومجمل ذلك ترك انطباعاً بأن ديالى، المحاذية لإيران، متروكة للنفوذ الإيراني، مثلما أن الرمادي المحاذية للأردن وسورية، باتت متروكة للنفوذ الأميركي، وهذه «القسمة» تشجع الميليشيات على مزيد من جولات الانتقام الطائفي، بينما يحذر خبراء من أن يكون ذلك «هدية مجانية» لتنظيم «داعش»، الذي يقدم نفسه مدافعاً عن السنة، وينتهز كل فرص خراب العلاقة بين المجتمع السني والحكومة المركزية، لدعوة الشباب إلى الانخراط في خيار العنف.

ويسود شعور بأن الميليشيات ستُحرج العبادي في أكثر من ملف خلال الفترة المقبلة، خصوصاً حين اختارت حكومته دعم قرار الجامعة العربية، الذي دان بقوة إحراق الممثليات الدبلوماسية السعودية في إيران، وهو أمر أثار غضب حلفاء الحرس الثوري الإيراني في العراق، وقد لا يمر بسلام.

ولعل ذلك ما دفع بخطيب كربلاء الممثل للمرجع الديني الأعلى علي السيستاني أن يتحدث صراحة، أمس الجمعة، ويدعو إلى التعامل بجدية مع «أي مسلح خارج عن نطاق الدولة» في إشارة متعارف عليها للميليشيات المقربة من الحرس الثوري الإيراني، تمييزاً لها عن المتطوعين لإسناد الجيش.