مع أن الإعلام الروسي الرسمي هو الذي كشف النقاب عنها، وأذاع أسرارها ومعه بعض وسائل الإعلام العربية فإن النظام السوري قد تجاهل أمر "الاتفاقية السورية – الروسية"، ولم يقل ولا كلمة واحدة بشأنها، وكل هذا مع أنها اتفاقية إذعان ووصاية واحتلال، وأن إبرامها في الدول التي لشعوبها الحق، ولو الحد الأدنى، في إبداء الرأي والاعتراض، يحتاج إلى استفتاء عام ويحتاج إلى "إباحة" ولو شكلية من مجلس الشعب الذي يتم اختيار أعضائه وتعيينهم بطرق غير متبعة إلا في الأنظمة الاستبدادية التي من المفترض أنها رحلت مع رحيل القرن العشرين وغدت نسياً منسيا.

Ad

تتكون هذه الاتفاقية الإذعانية، التي من الواضح أن إبرامها قد تم خلال زيارة بشار الأسد الغريبة العجيبة لموسكو، من بنود متعددة، كل بند منها أسوأ من الآخر، وهكذا وخلافاً لما كان أعلنه كبار المسؤولين الروس، الذين قالوا إن بقاء قواتهم في "القطر العربي السوري" لن يتجاوز الثلاثة أشهر، فإن هناك نصاً وفقاً للبند الأول يؤكد وجود هذه القوات في سورية "غير محدد بأي مهلة"، ما يعني أنها قد تبقى في دولة من المفترض أنها مستقلة حتى نهاية هذا القرن... وربما للأبد، وهذا إذا كانت القوانين تسمح باستمرار هكذا اتفاقيات إذا "سقط" النظام الذي أبرمها رغم إرادة ورغبة شعبه.

يقول بند آخر: "للجانب الروسي الحق في رفض أي طلب من قبل الحكومة السورية لإلغاء هذه الاتفاقية إلا بعد عام من تاريخ طلب إلغائها، وهذا يعني أن القرار الفعلي على هذا الصعيد هو قرار موسكو، وأنه بإمكان الروس الإبقاء على جيوشهم التي تحتل سورية الآن احتلالاً استعمارياً على مدى الفترة التي يريدونها، وفي عهود الأنظمة التي ستتعاقب على حكم هذا البلد بعد هذا النظام الذي باتت نهايته قريبة ومحسومة.

ثم وإن الأخطر أن هذه الاتفاقية، التي غير معروف من الذي وقعها من الجانب السوري مقابل توقيعها من قبل وزير الدفاع الروسي، تنص على أنه لا يحق حتى للحكومة السورية الدخول إلى مكان تتواجد فيه القوات الروسية... إلا بموافقة قائد هذه القوات "البند السابع"... وتنص أيضاً على أن القوات الروسية لديها حصانة كاملة تمنع محاكمة واعتقال واستجواب أي من أعضائها، ما يعني أنها أعطيت الحصانة نفسها الممنوحة للبعثات الدبلوماسية في العالم بأسره.

وأيضاً فإن هذه الاتفاقية، التي هي اتفاقية إذعان، ولا يمكن أن يوقعها مسؤول فيه ولو الحد الأدنى من الكرامة الوطنية، تنص على حق القوات الروسية في إدخال وإخراج الأسلحة والمعدات العسكرية التي تريد إدخالها وإخراجها من وإلى الأراضي السورية بدون دفع أي ضرائب، وتنص على أن للأفراد والمجموعات التابعة لهذه القوات الحق في التنقل بدون عوائق ولا وثائق... فماذا يعني هذا؟ وهل من الممكن تصور أن تصبح أوضاع هذا البلد الذي نال استقلاله في منتصف عقد الأربعينيات من القرن الماضي هي هذه الأوضاع المخجلة والمأساوية؟!

والمشكلة هنا أن نظام بشار الأسد بالنسبة لهذه الاتفاقية المعيبة، التي طعنت السيادة الوطنية للشعب السوري في الصميم، والتي تداولتها وسائل إعلام كثيرة، في مقدمتها وسائل الإعلام الروسية الرسمية، بدا وكأنه آخر من يعلم، مع أن المفترض أن شعباً كهذا الشعب العظيم من حقه على الذين يحكمونه أن يطلعوه على أي اتفاق مع أي حكومة أجنبية على كل هذا المستوى من الخطورة... الآن ولاحقاً... وهنا فإنه لابد من التساؤل: أليس من الأفضل والأشرف يا ترى لهذا النظام أن يبادر إلى تسليم الحكم للمعارضة (المعتدلة) بدلا من القبول باتفاقية مهينة كهذه؟!