ما الذي يتعين على الحكومة الأميركية عمله من اجل محاربة الركود الاقتصادي؟ وما الذي يتعين عليها القيام به من أجل مكافحة تباطؤ النمو؟ هذا هو السؤال الدائم لما يدعى بسياسة الدورة المعاكسة، وتشتمل هاتان الفكرتان على محفزات مالية ونقدية، وتعمل النسخة المالية عن طريق قيام الحكومة باقتراض وانفاق المال، إما على أشياء مفيدة مثل البنية التحتية أو، ببساطة، بتقديم الشيكات الى المواطنين، أما التشكيلة النموذجية النقدية فتعمل من خلال جعل مجلس الاحتياطي الفدرالي يبادل الأموال بأصول مالية من شأنها خفض معدلات الفائدة.

Ad

ولسوء الحظ فإن هاتين الطريقتين تنطويان على سلبيات رئيسية، في وقت يعتمد التحفيز المالي على الكونغرس الذي لا يميل في هذه الأيام إلى الاستجابة بشكل سريع يعول عليه أو حتى بطريقة مسؤولة، ولا يبدو أن التحفيز النقدي يعمل بصورة جيدة تماماً عند بلوغ معدلات الفائدة نقطة الصفر، وعلى سبيل المثال فقد كان التيسيير الكمي موضع شك.

وبسبب هذه القيود حاولت الاقتصادات الكبرى وضع طرق بديلة من أجل تحفيز الاقتصاد، وتمثلت إحدى الطرق في إلقاء الأموال بالمروحيات – وجعل البنك المركزي يطبع الأوراق النقدية وتقديمها الى الناس، وتمثلت الطريقة الثانية في جعل معدلات الفائدة سلبية تماماً، والتي قد تتطلب ارغام الناس على استخدام الأموال الالكترونية بدلاً من المبالغ النقدية.

وتتمثل الطريقة الثالثة الجديدة في قيام الحكومة بإقراض الناس الأموال بمعدلات فائدة متدنية جداً، ويدور الجدل الأساسي في هذا الصدد حول قدرة الناس المحدودة على الاقتراض، إذ ليس بوسع كل شخص الحصول على رهن عقاري أو اخذ قرض كبير على بطاقة ائتمان، ويخلق هذا حدوداً على كمية المبالغ التي يستطيع الناس انفاقها.

ومن جهة أخرى تستطيع الحكومة اقتراض المال من دون حدود بشكل تقريبي وبمعدلات فائدة تقل كثيراً عن الأشخاص العاديين، وعلى سبيل المثال فإن معدلات الفائدة على سندات الخزانة لمدة شهر واحد هي أكثر قليلاً من 0.25 في المئة فيما تصل معدلات الفائدة على بطاقات الائتمان الى حوالي 15 في المئة.

القروض الحكومية

ولنفترض أن الحكومة عرضت قروضاً على المواطنين عند معدلات فائدة تصل الى 0.5 في المئة فإنها تحقق ربحاً عند قيام المقترضين بسداد المال، وإذا لم يسددوا فإن المبالغ المقترضة تعمل على شكل حوافز مالية.

وعلى أي حال سوف يعمد الناس الى انفاق الأموال التي اقترضوها ما يعزز الطلب في الأجل القصير، ونظراً لأن بعض الناس يسددون قروضهم فإن التكلفة بالنسبة الى الحكومة وإلى دافعي الضرائب في المستقبل تكون أقل من مجرد التحفيز الصرف.

وكان هذا الأسلوب قد اقترح من قبل الاقتصادي في جامعة ميشغان مايلز كيمبول في ورقة صدرت في سنة 2011 تحت عنوان "تحقيق ضربة مدوية للدولار في سياسة مالية " وقد أطلق على هذا الاقتراح اسم "الخطوط الوطنية للائتمان"، وفي وقت قريب جداً قام براد ديلونغ من جامعة كاليفورنيا بطرح الاقتراح نفسه تحت اسم "الائتمان الاجتماعي".

ويشير أحد البحوث في الوقت الراهن الى أن الحكومة الأميركية قد حققت نسخة من هذه الطريقة خلال فترة الركود العظيم وأن تلك الخطوة ساعدت على محاربة الانكماش.

وفي ورقة بعنوان "سياسة الائتمان كسياسة مالية" وثقت بروفيسورة الشؤون المالية في معهد ماساشوستس للتقنية ديبورا لوكاس أكثر من 150 برنامجاً استخدمتها الحكومة من أجل الاقراض أو لتشجيع الاقراض الى المستهلكين. ويظهر الشكل المصاحب، من ورقة لوكاس، صورة عن اجمالي القروض الفدرالية غير الطارئة بما في ذلك القروض المباشرة والضمانات.

 وعمدت لوكاس الى حساب تأثيرات تلك القروض على زيادة الطلب، مستخدمة تقديرات قياسية للمضاعف المالي، وقد تبين لها أن الاقراض الفدرالي حقق الشيء ذاته الذي حققه قانون التعافي الأميركي واعادة الاستثمار لسنة 2009 بغية تحفيز الطلب ومنع الاقتصاد من الانهيار خلال تلك السنوات المظلمة.

ومن الواضح أن الاقراض الفدرالي يمكن أن يستخدم من أجل تحفيز حاصل الطلب عند تكلفة اقل كثيراً من التحفيز المالي، وهو امر يستحق النظر فيه، ولكن ثمة عوائق محتملة في ذلك على اي حال.

وتتمثل احدى المشاكل المحتملة في أن الحكومة عندما تقرض العديد من الأفراد فإنها تغير العلاقة بين المواطنين وحكومتهم، كما أن وزارة الخزانة تريد التأكد من قيام أكبر عدد من الناس بتسديد قروضهم الفدرالية لأن العجز المالي يبدو سيئاً من منظور سياسي، ولكن نظراً لأن الحكومة تسيطر أيضاً على السياسة المتعلقة بتسديد القروض فإن ذلك يعطي القادة حافزاً من أجل جعل التخلف عن سداد الديون أكثر صعوبة.

قروض الطلبة

ويحدث هذا في قروض الطلبة، وقد أثبتت الحكومة الفدرالية – التي تملك معظم قروض الطلبة – أنها جهة تحصيل لا ترحم. وعندما تقترض أنت من بنك وتعجز عن سداد القرض يمكن للحكومة أن تتدخل لحمايتك من خلال قانون الافلاس الشخصي، ولكن عندما تكون الحكومة هي المقرض قد لا تتوافر تلك الحماية لك.

وتتمثل المشكلة الثانية ذات الصلة في الانصاف والعدل، واذا كانت الحكومة متساهلة في تحصيل الديون فقد يشعر الشخص الذي سدد قرضه بأنه تعرض لخداع عندما يعجز جاره عن السداد.

ومن هذا المنطلق توجد مشاكل سياسية خطيرة في استخدام الخطوط الوطنية للائتمان، ولكن الدليل يظهر أن ذلك يمكن أن يعطي دفعة كبيرة للطلب، وبالتالي فإن التحدي يتمثل في العثور على طرق تهدف الى تقليص المشاكل السياسية الى الحد الأدنى، كما أن دور الخطوط الوطنية للائتمان لا يقتصر على كونها أداة محتملة لمحاربة الركود الاقتصادي لأنها قد تكون مفيدة في تحسين النمو ودفعه الى مستويات أعلى في اقتصاد بطيء مثل الذي تتعرض له الولايات المتحدة في الوقت الراهن.

* Noah Smith