قضت محكمة التمييز، أمس، بقبول الطعن في قضية سحب جنسية الإعلامي أحمد جبر الشمري، وإلغاء الحكم المستأنف، وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة، لنظرها في جلسة 5/5 /2016.

Ad

وأكدت المحكمة، التي ترأسها المستشار محمد الرفاعي، أن المرسوم المطعون فيه بسحب الجنسية لا يُعد عملاً من أعمال السيادة، بل عمل من أعمال الإدارة، التي تخضع لرقابة القضاء الإداري، إلغاءً وتعويضاً، مشددة على أنه الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر، وقضى بعدم اختصاصه ولائيا بنظر الدعوى، وتاليا فهو خالف القانون، بما يعيبه ويوجب تمييزه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعون.

تعويض

وأضافت أنه عقب الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة، حيث إن الطعون استوفت أوضاعها الشكلية، وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم بصفتهم الدعوى رقم 3253 لسنة 2014 إداري/9 بطلب الحكم، وفقا لتكييف محكمة أول درجة لطلباته بإلغاء المرسوم رقم 185 لسنة 2014، المتضمن سحب جنسيته الكويتية، وجنسية من كسبها معه بالتبعية، مع ما يترتب على ذلك من اثار، أهمها رد جنسيته الكويتية له ولمن كسبها معه بالتبعية، مع تعويضه مؤقتا بمبلغ 5001 دينار عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء ذلك القرار.

وأشارت إلى أنه قال بيانا لدعواه إنه مواطن كويتي، حيث حصل والده على الجنسية الكويتية بتاريخ 19/ 8/ 1962، وتمت ولادته هو بتاريخ 8/ 2/ 1965، وبتاريخ 22/ 3/ 1983 استخرج شهادة الجنسية، كما تزوج من كويتية، ورُزق منها بأولاد اكتسبوا الجنسية الكويتية بالتبعية له، وإنه فوجئ في 22/ 7/ 2014، بصدور المرسوم المطعون فيه رقم 185 لسنة 2014، المتضمن سحب جنسيته الكويتية وجنسية من كسبها معه بالتبعية، فتظلم من هذا المرسوم بتاريخ 19/ 8/ 2014، لكنه لم يتلق ردا، وهو ما حدا به لإقامة الدعوى بطلباته سالفة البيان، ناعيا على ذلك المرسوم مخالفته للمادة 27 من الدستور، التي لا تجيز إسقاط الجنسية أو سحبها، إلا في حدود القانون.

وحكمت محكمة أول درجة، بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، واستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 2315 لسنة 2014 إداري/4، وبتاريخ 22/ 3/ 2015 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق التمييز بالطعون الثلاثة الماثلة.

مذكرة النيابة

وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بتمييز الحكم المطعون فيه، وإذ عرضت الطعون على هذه المحكمة - في غرفة المشورة - حددت جلسة لنظرها، وفيها ضمت الطعنين الثاني والثالث إلى الأول للارتباط، وليصدر فيها حكم واحد، وصمم الطاعن على طلباته، وطلب الحاضر عن المطعون ضدهم رفض الطعون والتزمت النيابة رأيها.

وحيث إن مما ينعاه الطاعن في الطعون الثلاثة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى على سند من أن المرسوم المطعون فيه بسحب الجنسية الكويتية منه وممن اكتسبها بالتبعية له يُعد عملاً من أعمال السيادة اتخذته الحكومة بصفتها سلطة حكم، وليست سلطة إدارة، كما أنه جاء إعمالاً لما نصت عليه الفقرة الخامسة من المادة الأولى من القانون رقم 20 لسنة 1981، بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية، والمعدل بالقانون رقم 61 لسنة 1982 من استبعاد القرارات الصادرة في مسائل الجنسية من اختصاص تلك الدائرة.

وأضافت: حال ان المادة 27 من الدستور نصت على أن الجنسية الكويتية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون، وضمان تطبيق ذلك لا يتأتى إلا من خلال إعطاء القضاء حق مراقبة مدى مشروعية تلك القرارات الإدارية واستظهار مدى انضباطها داخل أطر المشروعية الحاكمة، كما أن المادة 166 من الدستور كفلت حق التقاضي للناس، وفي حجب القضاء ومنعه من الفصل في بعض المسائل إهدار لذلك الحق، وبالتالي يتعين تفسير ما ورد بالفقرة الخامسة من المادة الأولى سالفة الذكر، من استبعاد القرارات الصادرة في مسائل الجنسية من اختصاص هذه الدائرة، بأنه خاص بمنع الجنسية لمن تتوافر فيه شروط التجنيس أو حجبها عنه، باعتبار أن هذين الأمرين يتسمان بطابع سياسي يرتبط بكيان الدولة وحقها في اختيار من ينضم إلى جنسيتها، في ضوء ما تراه وتقدره، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيبا بما يستوجب تمييزه.

وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 166 من الدستور على أن «حق التقاضي مكفول للناس، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق»، وفي المادة 169 على أن «ينظم القانون الفصل في الخصومات الإدارية بواسطة غرفة أو محكمة خاصة يبين القانون نظامها، وكيفية ممارستها للقضاء الإداري، شاملاً ولاية الإلغاء وولاية التعويض بالنسبة إلى القرارات الإدارية المخالفة للقانون»،

والنص في المادة 1 من المرسوم بالقانون رقم 30 لسنة 1981، بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية والمعدل، بالقانون رقم 61 لسنة 1982 على أن تنشأ بالمحكمة الكلية دائرة إدارية... وتختص دون غيرها بالمسائل الآتية، وتكون لها فيها ولاية قضاء الإلغاء والتعويض: (أولاً)... (خامساً) الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية، عدا القرارات الصادرة في شأن مسائل الجنسية وإقامة وإبعاد غير الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجلات ودور العبادة يدل- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن الأصل الدستوري هو أن حق التقاضي مكفول للناس كافة، فيكون لكل ذي شأن حق اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، بما في ذلك الطعن على القرارات الإدارية النهائية، وإخضاعها لرقابة القضاء، لذلك كان الأصل في حق التقاضي، هو خضوع الأعمال والقرارات الإدارية لرقابة القضاء، وحظر تحصين أي منها من هذه الرقابة، وإن وجد هذا الحظر، فهو استثناء وقيد على أصل الحق، فلا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه بما يمحو الأصل أو يجور عليه أو يعطله أو يتغول عليه، فيقتصر أثره على الحالات، وفي الحدود، التي وردت به.

لما كان ذلك، وكان المشرع، إعمالاً لنص المادتين 166 و 169 من الدستور سالفتي البيان، قد أنشأ بالقانون رقم 20 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 61 لسنة 1982، دائرة إدارية بالمحكمة الكلية تختص، دون غيرها، بنظر المنازعات الإدارية المبينة به، وكان النص في البند (خامساً) من المادة 1 من هذا القانون سالفة البيان، بعد أن قرر الأصل العام في إجازة طعن الأفراد والهيئات في القرارات الإدارية النهائية الصادرة في شأنهم، استثنى من ذلك بعض القرارات الإدارية، ومنها القرارات الصادرة في مسائل الجنسية، وكان هذا الاستثناء يعد قيداً على حق التقاضي، لما ينطوي عليه من حرمان ذوي الشأن من اللجوء إلى القضاء والطعن على القرارات الإدارية الصادرة في مسائل الجنسية، وباعتبار أن حق التقاضي هو وسيلة حمايتها وضمان فاعليتها، والأصل فيه- كما سبق القول- خضوع الأعمال والقرارات الإدارية لرقابة القضاء، ولذلك فإن هذا الاستثناء، يتعين قصر نطاقه على القرارات المتعلقة بمنح الجنسية أو رفض منحها، باعتبار أنها ترتبط بكيان الدولة، وحقها في اختيار من يتمتع بجنسيتها في ضوء ما تراه وتقدره في هذا الشأن، وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، ومما يؤكد هذا النظر ان المادة 27 من الدستور الكويتي نصّت على أن «الجنسية الكويتية يحددها القانون، ولا يحوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون»، وهذا الأمر لا يتأتى تحققه إلا بالرقابة القضائية على عمل الإدارة، ومن ثم يجوز له الطعن عليها إلغاء وتعويضاً أمام الدائرة الإدارية في المحكمة الكلية.

ولا محل للقول، إن القرار الصادر في هذا الشأن يعد عملاً من أعمال السيادة، التي لا يجوز للمحاكم نظرها وفقاً لنص المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء الصادر بالمرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990، ذلك أن من المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن المشرع، لم يورد تعريفاً أو تحديداً لأعمال السيادة، التي نص عليها في المادة سالفة الذكر، وإنما ترك أمر تحديدها للقضاء اكتفاء بإعلان مبدأ وجودها، ثم تكون المحاكم، هي المختصة بتقرير الوصف القانوني للعمل الصادر من الحكومة، وما إذا كان يعد من أعمال السيادة من عدمه، وتخضع محكمة الموضوع في تكييفها هذا لرقابة محكمة التمييز، وإنه، وإن كان يتعذر وضع تعريف جامع مانع لأعمال السيادة أو حصر دقيق لها إلا أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنها القرارات، التي تصدرها الحكومة باعتبارها سلطة حكم، وليس بصفتها سلطة إدارة، وتصدر في إطار وظيفتها السياسية كسلطة عليا تتخذ ما ترى فيه أمن الوطن وسلامته وللمحافظة على سيادة الدولة وكيانها ووحدتها الوطنية، أما القرارات الإدارية، التي تصدرها بصفتها سلطة إدارة فإنها يجب أن تصدر في إطار القانون المنظم لها، وتلتزم ضوابطه وحدوده وتخضع بالتالي لرقابة القضاء.

لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن كان يحمل الجنسية الكويتية، ومن ثم فإن دعواه لا تتعلق بطلب منحه الجنسية الكويتية أو إلغاء قرار منعها عنه، كما أن المرسوم المطعون فيه بسحب جنسيته لا يعد عملاً من أعمال السيادة على النحو الموضح سلفاً، ومن ثم يخرج عن نطاقها، ويكون عملاً من أعمال الإرادة التي تخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضاً، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم اختصاصه ولائياً بنظر الدعوى، فإنه يكون خالف القانون بما يعيبه ويوجب تمييزه لهذا السبب، دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعون.

وحيث إنه عن موضع الاستئناف رقم 2315 لسنة 2014 إداري، ولما تقدم، وكان الحكم المستأنف قد قضى بعدم اختصاص المحكمة الكلية ولائياً بنظر الدعوى، فإنه يكون قد جانبه الصواب وخالف القانون بما يتعين إلغاؤه، ولما كانت محكمة أول درجة لم تستنفد ولايتها وحجبت نفسها عن نظر النزاع، فإنه يتعين إعادتها إليها للفصل فيها، عملاً بالمادة 156 من قانون المرافعات.

لذلك حكمت المحكمة:

أولاً: بقبول الطعون الثلاثة شكلاً، وفي الموضوع بتمييز الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعون ضدهم المصروفات وعشرين ديناراً مقابل أتعاب المحاماة.

ثانياً: في الاستئناف رقم 2315 لسنة 2014 إداري، بإلغاء الحكم المستأنف، وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظرها بجلسة 5-5-2016، واعتبرت النطق بهذا الحكم إعلاناً للخصوم.