فجر يوم جديد: «كدبة كل يوم»!
«زنقة ستات» عنوان الفيلم الروائي الطويل، الذي عُرض عام 2015، ووضع أيدينا على موهبة مخرج شاب اسمه خالد الحلفاوي حقق المعادلة الصعبة بين التجاوب الجماهيري مع فيلمه، والثناء النقدي على أسلوبه، الأمر الذي عجل بإنجاز فيلمه الطويل الثاني «كدبة كل يوم»، الذي استقبلته شاشات العرض السينمائي مطلع العام الميلادي الجديد.أول ما يلفت النظر أن لدى المخرج خالد الحلفاوي القدرة على اختيار أفكار قد تبدو تقليدية لكنها تتحوّل معه إلى تجربة مثيرة وجاذبة. في فيلمه الأول، الذي كتبه كل من هشام ماجد وكريم فهمي، قدّم اللون الكوميدي بأسلوب راق تمرّد على الصورة الذهنية والنمطية، وتبنى رؤية ناضجة تلمح فيها وعياً بدور ورسالة الفيلم الكوميدي، الذي يلبي هدف الترفيه والإمتاع من دون أن يجنح إلى الإفيهات الخشنة. وفي فيلمه الثاني، الذي كتبه كل من شريف الألفي وهشام منصور، يتبنى موقفاً حيال مؤسسة الزواج يقودنا إلى الظنّ بأن «الزواج شر لا بد منه»!
في فيلم «كدبة كل يوم» تبدو الأمزجة متناقضة، والتفاهم مفتقداً أو يكاد، بين الزوجين «هشام» (عمرو يوسف) و«عيشة» (دينا الشربيني) من ناحية وبين «هادية» (درة) وزوجها «عادل» (محمد ممدوح) من ناحية أخرى. فالزوجة «عيشة» تتهم «هشام» بأن مشاعره تجاهها خفتت بعد الزواج، و{هادية» لا تنسى أن «عادل» يعطي الأولوية لعمله لدرجة أنهما أمضيا شهر العسل في مؤتمر «دافوس» الاقتصادي، وتصبح الرحلة إلى مرسى علم بمثابة فرصة لتوفيق الأوضاع، وتذويب الخلافات. لكن الهوة تتسع بين «عادل» و{هادية»، التي تدفع ثمن نزوعها إلى التحرر، وينتهي زواجها بالطلاق، بينما ينجح «هشام» في إقناع «عيشة» بأن تقبله على عيبه، ويؤكد لها أنهما ليسا توأماً ملتصقاً، ومن ثم فالاختلاف وارد، وعلى عكس «هادية» و«عادل» يصل «هشام» و«عيشة» إلى نقطة تفاهم ومساحة يسودها التصالح والتسامح! طزاجة القصة وتميز السيناريو والحوار (شريف الألفي وهشام منصور) لا ينحصران في المعالجة الجديدة لأزمة الأبطال الأربعة، الذين تؤرقهم المشاكل الزوجية، واحتدام الصراع الذهني بين الأطراف كافة حول مشروع الزواج، وجدواه، وامتلاك أحدهم (عادل) حكمة مفادها أن «الزواج كدبة كبيرة كلنا عارفين أننا بنكدبها بس مش عاوزين نعترف» وهو، أي الزواج، مثل «البطيخة»، بينما يؤمن «هشام» أن «البؤس من شيم الرجال»، والأمر المؤكد أنه يعني الأزواج، فثمة قناعة تترسخ طوال الأحداث بأن «الزواج مشروع فاشل»، وهو ما تؤكده المطلقة المتصابية «شيريهان»، التي تزوجت وطلقت ثلاث مرات، وتسعى إلى إجهاض زواج ابنتها «شيري» (عبير حريري) من الشاب «سيف». لكن يبدو التميز واضحاً أيضاً في التوظيف الجيد لقطعات المونتاج (مينا فهيم)، واختزال الزمن، أثناء رحلة السيارة إلى مرسى علم، والقطع المتوازي ( بين غسيل الأزواج لمخ العريس الساذج «سيف» (كريم قاسم) ودرس صاحبة المنتجع المتحررة «شيريهان» (شيرين رضا) للزوجات) بما له من دلالة ومغزى وتأكيد للرسالة والمعنى. ويستوقفني هنا الصخب الجميل على اليخت، والتوظيف الطريف لأغنية «أنا مش عارفني» للمطرب الشعبي عبد الباسط حمودة، والموسيقى المرحة للمؤلف الموسيقي تامر عطا الله. في هذا السياق، بدا ظهور الأزواج السابقين لصاحبة المنتجع مقحماً ومفتعلاً، ولم يضف ظهور فاروق الفيشاوي وبيومي فؤاد وطارق التلمساني جديداً من أي نوع، بل يمكن القول بأنه أدى إلى ترهل الإيقاع. وعلى عكس الحوار الطريف للفيلم، جاء اختيار اسم «عز الدين أيبك» للقبطان (فاروق الفيشاوي) ثقيل الظل، وتوارى الصراع الطبقي بين عائلتي «سيف» و{شيري»، رغم ظهوره على استحياء على لسان أم العريس «هدى» (سلوى عثمان) بينما وصل الصراع الذهني إلى ذروته في مشهد المواجهة بين «عادل» و{هادية» واتهامها بأنها أنانية وجاحدة لا تفكر سوى نفسها، وتتخيل أنها ضحية زوجها وأهلها والمجتمع.في فيلمه الأول، «زنقة ستات» نجح المخرج خالد الحلفاوي في تقديم الكوميديا الخالصة «الفارس»، لكنه لم يركن إلى نجاح الفيلم، ولم يظل أسيراً لمعادلته، وإنما راح يقدم نفسه من خلال فيلم جديد يجمع بين الكوميديا الخفيفة والرومانسية الاجتماعية. لكن جاء التصالح بين «هشام» و{عيشة» ليكرس النهاية السعيدة التقليدية، التي تخالف المنطق والواقع، ومجريات الأحداث، في حين كان بمقدوره الاكتفاء بالنهاية المتفائلة المنطقية التي عاد فيها الوئام بين «سيف» و{شيري». غير أن شعوراً خفياً تملكني طوال مشاهدة فيلم «كدبة كل يوم» أن الجرأة تنقصه، بدليل التراجع عن دفع «هادية» إلى خيانة «عادل» مع «كريم»، رغم أن المنطق الدرامي يبرر هذا الأمر، ثم تجاهل التوقف عند الشخصية الثرية لصاحبة المنتجع، التي تبدو نهمة للجنس، وخاطفة للرجال، وتعمد القفز بعيداً عنها، وكأننا بصدد واحد من أفلام السينما النظيفة!