الانتخابات الإيرانية التي جرت أخيراً شهدت موجة من الصخب أثارها النظام و"البعض" في الغرب، ورغم البلبلة السائدة حول الانقسام الفئوي داخل إيران، أظهرت الانتخابات قضية أكثر عمقاً داخل المجتمع الإيراني، ألا وهي شرعية النظام وجهوده المبذولة في سبيل إبقاء مواطنيه ضمن إطاره المؤسساتي.  

Ad

لاحظ أستاذ اللسانيات المشهور نعوم تشومسكي: "الطريقة الفضلى لجعل الشعب مطيعاً للحكومة هي الحدّ الصارم من رأيٍ لا عيب فيه وتأييد الجدل المباشر، لا بل تشجيع الآراء الأكثر انتقاداً وتمرّداً، ممّا يوهم الناس أنّ حريّة التعبير متداولة"، إذ قام النظام الإيراني بكل ما في وسعه لاحتواء المناقشات في موضوع الانتخابات، ليبقى واقع أنّها غير حرّة أو غير عادلة خارج البلبلة.

في الأشهر التي سبقت الانتخابات حاول خامنئي مراراً وتكراراً التذرّع بالتهديدات التي يلوّح بها الغرب، كوسيلة للتشجيع على المشاركة في العملية الانتخابية، وفي الواقع اعتبر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أنّ من يقاطع النظام، يعادي الجمهورية الإسلامية بأكملها، وقد يبدو ذلك صحيحاً إلّا أنّه دليل على الرهانات التي تواجه شرعية النظام الإيراني.

مازال إيرانيون كثر يدعون لمقاطعة النظام برمّته بحجّة أنّه لا يترك مجالاً للتغيير مع وجود منصب "المرشد الأعلى" وإجراء انتخابات بالكاد تكون تعدّدية، ويبدو أنّ النظام يبذل جهداً كبيراً لجعل الانتخابات فرصة يختار الإيرانيون مصيرهم من خلالها، خصوصاً أنّ التصويت على مجلس الخبراء من شأنه أن يحدّد مرشداً أعلى جديداً لإيران. لا يخطئ خامنئي في حرصه على تذكير المواطنين بدور المجلس، إلّا أنّ وضع الجدل ضمن الإطار هذا يخدم غرضاً معيّناً.

وفي سياق متصل يبقى موضوع حرية الانتخابات الراهنة، من دون استبعاد المرشحين، غير قابل للنقاش، فيبدو أنّ الأطراف جميعهم يتعهّدون بالولاء لخامنئي وبقائه في منصب المرشد الأعلى، ولا يترك النقاش مجالاً للظنّ في أنّ المؤسسات، كمجلس الخبراء مثلاً، تتعارض مع مفاهيم الديمقراطية الحديثة أو التعدّدية.

ناقش الإصلاحيون والمعتدلون بصورة مكثّفة ما سيؤول إليه الوضع في حال قاطعوا الانتخابات، وبغضّ الطرف عن حقيقة أنّ "المعتدلين" في إيران يحاولون بلوغ الأهداف المطلقة ذاتها التي يسعى إليها "المتشدّدون"، بدأت تظهر صورة اليأس والحقيقة المشوّهة التي لا تخدم سوى مصالح الحكومة.

 على سبيل المثال، انتُخب المرشح الإصلاحي محمد ريشهري الأسبوع الفائت خلال التصويت على المجلس، حيث شغل منصب وزير الاستخبارات خلال مجزرة عام 1988 بحقّ السجناء السياسيين حين قُتل الآلاف بسبب معتقداتهم.

يفسّر الإصلاحيّ وأستاذ العلوم السياسية صادق زيباكلام سبب التصويت لمرشح كمحمد ريشهري بقوله: "لسوء الحظّ، كان علينا الاختيار بين السيئ والأسوأ. أعترف أنّ محمد ريشهري قتل كثراً ولا يتمتّع بخلفية ديمقراطية، إلّا أنّه ليس ضدّ الديمقراطية والحرية، فما خياراتنا الأخرى؟ هل نصوّت لمصلحة "أحمد جنتى مسّاح" أم "مصباح يزدي" اللذين يمقتان كل أنواع الحريّة"؟

لكن يبدو أنّ زيباكلام تجاهل عمداً حقيقتين اثنتين: الأولى، النظام بأكمله ضدّ الحريّة الديمقراطية، تماماً كمحمد ريشهري. حقيقةٌ لم تثبتها سنوات القمع الـ37 فحسب بل استبعاد ستة الآف مرشح من الانتخابات، والحقيقة الثانية يبدو أنّ لزيباكلام رأياً آخر يتمثّل بمقاطعة العملية الانتخابية بأكملها، فحقيقة حرص خامنئي ونظامه على تشجيع الإيرانيين للإدلاء بأصواتهم كفيلة بمعرفة من هم الفائزون الحقيقيون في الجمهورية الإسلامية.

ولسنا بحاجة لأدّلة إضافية لندرك أنّ النظام الإيراني يعتبر شعبه مجرّد رهينة يُرغمها على التصويت وشرعنة نظام وحشي وفاسد وغير ديمقراطي، والتصويت هرباً من الخوف واليأس لا يدلّ على دولة تتسّم بالحرية والديمقراطية.

لا تثير الآراء المُعلنة، كرأي زيباكلام مثلاً، الارتباك، إنّما تثبت مدى نجاح خامنئي في إرغام الإيرانيين على المشاركة في الانتخابات خوفاً من التهديدات الداخلية والخارجية.  

* حميد يزدان بناه