أدت مقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما في أسبوعية "ذي أتلانتك" ما أدت إليه من صدمة، وما جلبته من ردود فعل خليجية غاضبة من شخصيات رسمية وأصحاب مناصب سابقة مرموقة وإعلاميين وكتاب، تعددت بين الرأي والتحليل والاستنكار، دون أن يكون هناك موقف حكومي خليجي، لأن عقيدة أوباما كما وصفتها سابقاً بـ"المؤذية" للخليجيين بشكل خاص، لأنه يدعوهم لفتح أبوابهم لإيران لتشاركهم في حكم أوطانهم وإقليمهم العربي.
وبخلاف تصريح رئيس جهاز الأمن الوطني الكويتي الشيخ ثامر العلي، المسؤول الرسمي الوحيد الذي علق على ما ذكره أوباما، وهو الأقرب إلى العتب لواشنطن من رد على عقيدة أوباما، فإن لا أحد من دول الخليج العربي أو حتى بقية الدول العربية، المرتبط مصيرها ومقدراتها الاقتصادية ومصادرها الاستثمارية بأمن دول الخليج واستقرارها، رد على أوباما، ودعوته طهران إلى الدخول إلى العالم العربي!وحتى نكون موضوعيين وعمليين، علينا أن نسأل: ماذا بعد أن عرفنا عقيدة أوباما؟ التي تعبر عن أفكار وتوجهات قديمة للإدارة الأميركية منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، عندما طرحت أفكار الفوضى الخلاقة، وتداولت رؤى برنارد لويس، وفتحت خرائطه لإعادة تقسيم المنطقة، كل تلك المخططات والتوجهات من الغرب القوي والحاكم الفعلي للكون لم تجعلنا نقرأ ونخطط بالمثل لنواجه الهجمة المقبلة علينا، رغم العلم بأن خط المواجهة لصد مخططاتهم المؤذية هو "الإصلاح" بكل عناوينه السياسية والاقتصادية والدينية.لكن النخب العربية الحاكمة أو غالبيتها اعتقدت أنها قادرة على أن تضع بعض "المكياج" على مؤسساتها السياسية المهترئة وغير الفاعلة والفاسدة لصد الهجمة الأميركية، وتوزيع بعض الهبات المالية على مواطنيها، وإعادة تدوير حلفاء الأنظمة من رجال الدين أنفسهم الذين هيأوا وزخرفوا الطريق إلى الفكر المتشدد، في حين شكلت بعض الأنظمة هيئات نزاهة ومحاربة فساد شكلية، بينما الغرب يحسب كل دولار ترسله النخب الحاكمة الفاسدة إلى حساباتها السرية لديهم، ويحصي كل استثمار يقومون به من أموال شعوبهم التي نهبوها.ولاحقاً دفع حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح وبشار الأسد الثمن غالياً، بينما تجاوزت دول الخليج دون خسائر مرحلة الربيع العربي، كما فعلت من قبل في مرحلة الثورات العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لأسباب اجتماعية واقتصادية مختلفة ربما لن تكون صالحة لتسعفهم في موجة حراك التغيير العربي المقبل، الذي لن يطول أمده بسبب المتغيرات الكبيرة في الاتصال المعرفي، والتحولات الاقتصادية المتلاحقة التي ستبدأ بالتأثير سلباً على مستوى المعيشة، وتحديداً على المجتمعات الخليجية.الرئيس أوباما وجه رسائل كثيرة للدول الخليجية حول التغيير الديمقراطي، وتعزيز الحريات التي تتراجع حتى في الدول التي كانت رائدة في هذا المجال، مثل الكويت والبحرين، وانطلاق عملية الإصلاح وتمكين الشباب اقتصادياً، ورفع الاحتكارات والمزاوجة بين الأعمال والسياسة وتحقيق العدالة الاجتماعية بالنسبة للثروات الطائلة التي تجنيها دول الخليج، والتي ستجعل الشباب الخليجي ينخرط في إدارة شؤون أوطانه ويتمتع بثرواته بعيداً عن الأفكار المتطرفة، وهو ما أكده أوباما في قمة كامب ديفيد مع الزعماء الخليجيين في مايو الماضي، لكن عملياً لا توجد مؤشرات حقيقية تبين سعياً لتحقيق ذلك، لذا فإن أوباما يمضي في عقيدته المؤذية لنا، لأننا لا نفعل شيئاً لمعالجة عيوبنا والتصدي لخططه الضارة بنا.
أخر كلام
نعيب على أوباما... والعيب فينا!
20-03-2016