«منابع تاريخ الأديان»... قفز فوق «الحرب المقدسة»
يستعرض المؤلف فيليب بورجوه تاريخ الدين في الغرب في كتابه «منابع تاريخ الأديان»، ترجمة فوزية العشماوي، الصادر أخيراً عن «المركز القومي للترجمة» في مصر، ويخلص إلى أن مصطلح «الدين» يتغيّر على مدى الزمان، وأننا لا نتوقّف عن بنائه وإعادة بنائه.
يقترح فيليب بورجوه في كتابه «منابع تاريخ الأديان «أن نتجاوز الإشكاليات التي يثيرها الجدل حول الأديان، مخصصين الوقت الكافي للتأمل، لا سيما أن تعدد المذاهب الدينية، أو ما يسميه المؤلف إعلان «الحرب المقدسة»، يثير الجدال حول كثير من المفاهيم المتناقضة مثل ارتداء الحجاب أو علمانية الدولة وتدريس الدين في المدارس، معبراً عن مخاوف متمثلة في أن ثمة مناسبات عدة تجعلنا نتساءل عن العودة المحتملة لكل ما هو ديني.طرح بورجوه أسئلة قديمة جداً تحدّد المعالم الكلاسيكية في التعامل مع الدين في الغرب تحت عنوان «ازدواجية الصورة»، مستدعياً القرن الثاني الميلادي الذي عاش فيه الكاتب الساخر لوسيان وكانت له مؤلفات حول تاريخ الأديان اتسمت أفكارها بالسخرية في المعلومات الأساسية الخاصة به.
يناقش بورجوه كتاب «خطاب عن التضحيات» بتصدير إصرار لوسيان على حقيقة أن الذين يدخلون المعابد ويجدون أنفسهم واقفين أمام تمثال الإله لا يتخيلون أنهم واقفون أمام تمثال مصنوع من العاج الهندي ومطعم بالذهب، لكنهم يشعرون أنهم يرون ابن الإله «ساترون» والإله «رينا» الذي أنزله «فيدياس» من السماء والذي يشعر بالسعادة عندما يقدمون له كل خمس سنوات قرباناً في معبد «الألمبيا».ويتضح من الملاحظات المتوافقة مع بعضها في الكتاب، سواء من لوسيان أو من المؤلفين المسيحيين الآخرين، أن الصورة المقدسة خادعة ولكنها من دون أدنى شك ورغم ذلك ذات تأثير.تخصّص أكاديمي لا يشتبك بورجوه مع الدين ولا يصطدم بالشكل المباشر مع تقاليد وأساليب التعبد المختلفة، لكنه يتعامل مع علم «تاريخ الأديان» بوصفه تخصصاً أكاديمياً مستقلاً وعلماً غير طائفي ولا ديني بحت، حين يلتقي في المساحة ما بين علم دراسة النصوص المقارنة وعلم «الإنثروبولوجيا».ويوضح المؤلف أنه كان من المأمول في نهاية القرن التاسع عشر الذي ازدهر فيه علم تاريخ الأديان في فرنسا ثم إنكلترا ثم في سويسرا وهولندا وبلجيكا، تحويل بعض كليات دراسات اللاهوت إلى كليات لعلوم تاريخ الأديان، قبل صعود العلمانية المعادية لكل ما هو لاهوتي، ويكفي لفهم ذلك متابعة الجدال المستمر، والذي يبدو أحياناً منسياً وأحياناً أخرى مدفوناً، لكنه يدور ويتحرك بعنف في الأوساط التي يلتقي فيها علماء اللاهوت وعلوم تاريخ الأديان، لندرك أن العوائق تزداد.يبث الكاتب فيليب بورجوه من خلال كتابه «منابع تاريخ الأديان» رسالة مكثفة للعالم مفادها أن نتخلّص من عاداتنا في التفكير فيما يتعلق بالدين والسياسة إذا أردنا دراسة تاريخ الأديان وليس تصنيع علم لاهوتي للأديان من دون أن ندرك ذلك، خصوصاً أن الرجوع إلى العوالم القديمة جداً يفرض نفسه علينا لإلقاء الضوء على ما يكون الجدال الساخن الحالي، وهذا يبدو أكثر قرباً من الحقيقة، لأن «سوبر ماركت ما بعد الحداثة» تلتحم بصورة مدهشة مع العالم المتعدد والناعم للمعتقدات والممارسات التي ترجع إلى ما قبل الاختراع المسيحي الأوروبي.فيليب بورجوه أستاذ تاريخ الأديان في جامعة جينيف بسويسرا، قام برحلات عدة للبحث العلمي وأقام في مدينة شيكاغو حيث أجرى بحوثاً علمية وعمل في إطار مؤسسة «إلياد»، وكان عضوا في معهد «برينستون» للدراسات العليا، وأستاذاً زائراً في جامعات برينستون وشيكاغو.نشر مؤلفات عدة لدى كبرى دور النشر، من أهمها «تمرينات في علم الأساطير»، و«انفعالات عنيفة»، و«تفسيرات موسى».