الخطة «ب» في سورية... والنفط الصخري!
في أول مواجهة لوزير النفط السعودي علي النعيمي مع منتجي النفط الصخري في مؤتمر "سيراويك"، أو ما يسمى بأسبوع كمبردج للطاقة الثلاثاء الماضي في ولاية تكساس بالولايات المتحدة، وجّه كلمة حاسمة أنصف فيها بلده ومنتجي "أوبك" عندما قال إن "على المنتجين ذوي التكلفة الباهظة أن يقللوا تكلفتهم أو يخرجوا من السوق"، مؤكداً أن "السعودية لن تخفض إنتاجها لدعم المنتجين الهامشيين حتى إن وصل سعر برميل النفط إلى 20 دولاراً"... تلك المواقف التي أطلقها النعيمي كانت كافية أن تجعل أسعار النفط تتراجع 4 في المئة في اليوم التالي. وعلى إثر ذلك قال الرئيس التنفيذي لشركة "وايتنغ بتروليم كورب" جيم فولكر -وهي إحدى كبريات شركات النفط الصخري- إن الشركة ستوقف التكسير في الآبار الجديدة بنهاية مارس الجاري، إذا ظلت أسعار النفط دون الأربعين دولاراً، بينما أكد ملياردير التنقيب هارولد هام أن زيادة الإنفاق المالي مرتبطة بزيادة أسعار النفط في نطاق ما فوق الأربعين دولاراً، ودون ذلك فإن قطاع النفط الصخري سيواجه مصاعب في تسديد ديون تقدر بـ17 مليار دولار، حسب شركة هيز آند بوون القانونية، خصوصاً أن هناك 48 شركة نفط صخري تقدمت بطلبات حماية من الإفلاس.
في هذه الأثناء تبرز تسريبات الخطة (ب) في حال فشل الهدنة في سورية، وعودة وتيرة القتال كما كانت عليه، والتي أشار إليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكشف بعض تفاصيلها جنرال متقاعد أميركي أيضاً في حلف الناتو هو الأدميرال جيمس ستافريدس بأنها تقتضي تدخلاً برياً بقوات ربما تكون أردنية، وستكون هناك حرب "فوضوية". الأميركان يلعبون في الملف السوري منذ خمس سنوات بشكل "مقرف" ولا إنساني، ولكنني لا أستبعد بعد جمع وربط المعلومات والدوافع السياسية والاقتصادية أن تشجع واشنطن عملاً برياً "فوضوياً" في سورية لن يكون مقتصراً على الأردنيين، بل سيشمل أيضاً السعوديين والأتراك وبعض الخليجيين، تتواجه فيه السعودية مع إيران، ويمتد أثر ذلك الاشتباك إلى شواطئ الخليج العربي، مما يؤدي إلى غلق مضيق هرمز، ووقف إمدادات النفط للعالم، وربما يمتد أيضاً إلى منافذ البحر الأحمر سينتج عنه صدمة طاقة جديدة أضخم من صدمة أزمة 1973 بأضعاف مضاعفة، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط لمبالغ خيالية. في هذه الحالة ستضرب واشنطن عصفورين بحجر واحد، أولاً أنها ورطت الجميع، بما فيهم روسيا، في حرب استنزاف لن يشارك فيها حلف الناتو، وثانياً أنقذت قطاع النفط الصخري وأمدته بأموال ضخمة تمكنه من تمويل أبحاثه خمس سنوات مقبلة، لتقليل تكلفة إنتاجه، وأحيت مشروعها للطاقة الذاتية المقدر حجم تعاملاته بما يقارب نصف تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة، خصوصاً أن أي مواجهة عسكرية صغيرة أو متوسطة في الخليج العربي ستؤدي ربما إلى تدمير مرافق نفطية يحتاج إعادة تعميرها إلى سنوات ستقوم بها غالباً شركات أميركية. أما أمد المواجهة في سورية وتكلفتها فسيتحكم فيهما الشريكان الروسي والأميركي اللذان تتفق مصالحهما، سواء برفع أسعار النفط، وكذلك تقسيم سورية الذي يهندسه الثنائي لافروف وكيري، وأكده نائب وزير خارجية روسيا سيرغي ريابكوف، عندما كرر ما قاله الأميركي جون كيري منذ أسابيع عن تقسيم سورية، موسكو ستربح من مواجهة عربية تركية مع إيران نفس مكاسب واشنطن من أسعار النفط، وستكون أوروبا الخاسر الأكبر بتدفق المزيد من اللاجئين إليها، فضلاً عن مشكلات أمنية، والمزيد من العمليات الإرهابية، وستدفع مبالغ باهظة لأسعار النفط، وكذلك اليابان والصين ونمور شرق آسيا. وبعد أن ينهك جميع الفرقاء الإقليميين ويشتروا مزيداً من السلاح من واشنطن وموسكو، ستصدر قرارات الحسم من مجلس الأمن الدولي بتوافق أميركي- روسي بوقف القتال والمباشرة في تقسيم سورية، وفقاً لوجود القوات على الأرض التي لن يسمح لأي منها أن تتجاوز خطوط التقسيم المتفق عليها بين كيري- لافروف، لتنجز واشنطن وموسكو وتل أبيب مشروعها الكبير بتفتيت المنطقة، وتوفير أمن إسرائيل ومصالح موسكو وواشنطن في سورية بالمناصفة. نعم إنها قراءة مرعبة للأحداث والمخططات التي تجري من حولنا، ولكنها منطقية لمن يربط سير الأمور ومصالح الدول الكبرى ورغباتها وسلوك وتصريحات مسؤوليها، وسبب سكوت المجتمع الدولي عن الفظائع والجرائم التي تجري للشعب السوري، منذ أن استخدم نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه في صيف 2013 حتى الآن، ورغم ذلك السيناريو المرعب المحتمل فإن عدم التدخل البري العربي- التركي لإنقاذ السوريين من الاحتلال الروسي- الإيراني وأدواته من الميليشيات الشيعية والعلويين والأكراد يعد خيانة للواجبات الإسلامية والمبادئ الإنسانية والضمير العربي.