«داعش» يطمع بالسيطرة على شبكة «القاعدة» العالمية
هل يصبّ تنظيم "داعش" تركيزه على الهجمات الإرهابية في الاتجاهات كافّة لتعويض الخسائر العسكرية التي تكبّدها في العراق وسورية؟ عُمّمت هذه الفرضية في الوسطين الإعلامي والسياسي بعد هجمات باريس في نوفمبر الماضي، وباتت أكثر رواجاً اليوم إثر تفجيرات استهدفت مطار بروكسل ومحطة المترو في بلجيكا.يصمّم "داعش" بلا ريب على تكثيف هجماته الخارجية لأنه عانى خسائر عسكرية جمّة في الأشهر القليلة الماضية منذ الهزيمة التي مُني بها في مدينة تكريت.
تنبئ الهجمات التي طالت باريس وبروكسل بضعف الرابط بين نشاطات التنظيم الدولية ونشاطاته في المنطقة،وساعدت النجاحات العسكرية التي حقّقتها الدولة الإسلامية في صيف 2014 على إنشاء مجموعة تضمّ آلاف المقاتلين الأجانب الذين سافر معظمهم إلى سورية والعراق مع ذويهم، لذا تعتمد قدرة "داعش" في جذب المقاتلين من أنحاء العالم على مدى نجاح أدائه على الأرض. غير أنّ الاعتماد المتبادل بين الاستراتيجيات المحلية والخارجية بات ضئيلاً بل شبه معدوم، ومازالت الدولة الإسلامية تحكم سيطرتها على الأراضي العراقية والسورية، مما يسلّط الضوء على أهميّتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وقد تدوم السيطرة هذه لسنوات رغم التقلّص التدريجي للأراضي التي تحتلّها، وفي المقابل قليلاً ما تؤثر هذه الخسارة في قدرة "داعش" على بسط نفوذه في الخارج، ولا سيما أنه حقق انتشاراً في أرجاء العالم.شكّل "داعش" في معظم حقبات تاريخه الحافل مجموعة عراقية متمرّدة مصمّمة على محاربة الحكومة العراقية والقوّات الأجنبية في العراق، وكان تنظيم "القاعدة" يحكم قبضته على الشبكات الدولية آنذاك، ومنذ ثلاث سنوات فقط أعلن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" التوسّع داخل سورية، ومنذ أقلّ من سنتين أعلن عمّا يسمّى بالخلافة الإسلامية.عندما كانت المجموعة تُعرف بتنظيم "القاعدة" بين 2004 و2006، قادها مقاتلون أجانب من بلاد المشرق ودول أخرى على غرار ليبيا، وصمّموا على القتال "قرب العدوّ"، لذلك تبدو نشاطاتها الدولية جديدة نسبياً، مما يضعها في خصام مباشر مع "القاعدة" في ما يتعلّق بإدارة الجهاد العالمي. أخذ تنظيم "داعش" ينوّع رسائله خلال السنة الماضية، فالخطابات التي يوجّهها إلى العراق وسورية مختلفة تماماً عن تلك الموجّهة إلى القارّة الإفريقية ودول العالم، وأخيراً كشفت الأمم المتحدة وأجهزة الاستخبارات الغربية أنّ المئات من مقاتلي "داعش" عادوا إلى بلدهم الأمّ، ولا سيما إلى ليبيا وأوروبا، لدعم الجبهات هناك وشنّ هجمات إرهابية، إذ تحصل هذه الهجرة العكسية رغم الحاجة الماسّة إلى قوى مسلّحة في مناطق الصراع في العراق وسورية.يحتاج "داعش" إلى تجنيد نشطاء من تنظيم "القاعدة" في صفوفه بغية بناء شبكته العالمية، فحين كان "داعش" يحكم ويسيطر على الأراضي السورية والعراقية ويبنى خبرة واسعة دامت عشر سنوات كان "القاعدة" منتشراً على الساحة الدولية.عبر السنين شحّت موارد "القاعدة" المالية، لكن "داعش" يبرهن اليوم قوّته ويبدي استعداداً لخوض الحرب ضدّ الغرب وحلفائه الإقليميين، ولتسهيل هجماته الإرهابية القاتلة التي اجتاحت باريس وبلجيكا في الآونة الأخيرة يبدو أنّه لم يعتمد على التعليمات التي تلقاها من الرقّة فحسب بل على شبكة العمليّات العسكرية.يعرف "داعش" حقّ المعرفة أنّ المعركة محتدمة وأنّ النشطاء في تنظيم "القاعدة" يناسبونه أكثر من المنتسبين الجدد أو جيل الشباب الجديد، لجهة الاتّكال عليهم.في هذا الصدد لا بدّ من إعادة النظر في هجمات "داعش" الإرهابية، إذ لم تكن هذه الأخيرة من صنع المقاتلين الذين تتقلّص قدرتهم على المحاربة مع تناقص عددهم يوماً بعد يوم، بل من صنع التنظيم الدولي بمنأى عن المجموعة المتمرّدة في العراق وسورية. * حسن الحسن، باحث في برنامج الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا التابع للمعهد الملكي للشؤون الدولية.