روحي البعلبكي: القواميس أكثر الكتب تعرُّضاً للسرقة والقرصنة والتزوير

نشر في 22-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 22-04-2016 | 00:01
ولج الدكتور روحي البعلبكي عالم القواميس في عمر باكر، وتشرب حبها من والده منير البعلبكي الذي كان عالماً في هذا المجال، فألف قاموسه الأول وهو بعد على مقاعد الدراسة. في ما بعد، رغم تخصصه في القانون الدولي وانشغاله بالوسطين الفكري والأكاديمي، أخذ على عاتقه مهمة متابعة إصدار القواميس كي تواكب اللغة العربية تطورات العصر المتسارعة والثورة التكنولوجية، فتوالت سلسلة طويلة من «المورد» (صدرت عن دار العلم للملايين) أغنت المكتبة العربية وسدت نقصاً كبيراً فيها، آخرها «المورد العربي، قاموس اللغة العربية المعاصرة مع كل المترادفات» الصادر حديثاً عن دار العلم للملايين.

باحث، مفكّر، مؤلّف، محاضر، ممثّل لبنان في مؤتمرات دوليّة، مدير عام مؤسسة «دار العلم للملايين» للنشر والتأليف والترجمة في بيروت، يسلط د. روحي البعلبكي الأضواء على جديده وعلى واقع القواميس في العالم العربي في الحوار التالي مع «الجريدة»:

بدايةً، كيف تحدد القاموس عموماً؟ وما هي المعايير الواجب اتباعها لوضعه؟

بحسب التعريف الذي أوردته في قاموسي «المورد العربي»، فإن القاموس هو: «مؤلَّف يضم كلمات اللغة ومعانيها وشروحها بلغة واحدة أو أكثر وفقاً للترتيب الأبجدي أو غيره، وقد يكون لغوياً عاماً أو متخصصاً في علمٍ ما».

مهمة القاموس هي رصد اللغة، والنص على مفرداتها، وشرح معانيها بوضوح، ومتابعة حركية اللغة في استعمالاتها المتجددة.

وكي يكون القاموس مرجعاً موثوقاً– كما يفترض- فلا بد له من أن يتحرّى الدقة والأمانة والسهولة. ولعل أهم المعايير التي ينبغي أن يلتزمها هي مدى شيوع الكلمة واستعمالها، ومدى وتيرة تداولها في مختلف المجالات، وتحديد المعاني وظلال المعاني المتعددة لها، وتصنيف الكلمات والمعاني بشكل يتيح للقارئ التمييز بينها والاهتداء إليها بأيسر السبل.

«المورد العربي، قاموس اللغة العربية المعاصرة مع كل المترادفات» يندرج ضمن سلسلة من القواميس المتنوعة التي وضعتها، فما هي مميزات هذا القاموس وما الجديد الذي يقدمه على صعيد اللغة؟

«المورد العربي» قاموس عربي – عربي عصري يعيد الحيوية إلى اللغة العربية، ويعزز حضورها وألقها، وذلك بمقدار ما يطورها من ناحية ويعكس تطورها من ناحية ثانية.

    ومن أهم ميزاته:

-1  تجدون فيه لغة الحياة المعاصرة، بعد أن تحجّرت المعاجم العربية وتوقّفت عن التطور عندما جمّدت اللغة في قوالب قديمة وعند مرحلة زمنية سابقة.

-2 يقدم لكم مترادفات الكلمة بعد شرح معناها، ويبين كيفية اشتراك الألفاظ في المعاني أو تقاربها فيها.

-3 يغطّي مختلف ميادين العلوم والفنون والمعارف، ويواكب العلم والمستجدات الفكرية والثقافية، ليكون مرآة حضارية لحيوية اللغة واستخداماتها.

-4 يجمع بين لغة اليوم ولغة التراث.

-5 يهتمّ بالعبارات الاصطلاحية idioms والتراكيب المجازية كي تتضح للقارىء مختلف أبعاد الكلمة ودلالاتها في مقامات متعددة.

-6 ينصّ على المصادر والمشتقّات وكلمات النسبة ويفسّرها بالتفصيل.

-7 ينصّ على أهم المفردات الخاصة ببعض البلدان العربية.

-8 يضمّ نماذج لغوية لأساليب استخدام الكلمة والتعبير بها في أشكال ومبانٍ فصيحة متعددة ومبانٍ بلاغية متنوعة.

-9 يحيل القارئ إلى كلمات ذات مترادفات أغزر أو تفاصيل أوفى (مطبوعة بحرف أسود) لكونها مرجعية أساسية في بابها.

-10 إنه معجم شامل، غني، سهل، مريح، تامُّ التشكيل، ومرتّب أبجدياً.

ما أبرز مراحل تاريخ القاموس العربي؟

لم يتطور القاموس العربي تطوراً جذرياً، فضلاً عن أن تطوره اتّسم بالبطء والتردد. ثمة قواميس عربية تصدر اليوم ولا تزال تشير إلى كلمات نستعملها يومياً بأنها «مُوَلَّدة» أو الى معانٍ أصبحت غير منفصلة عن الكلمة بأنها «مُحْدَثة»!

قد تكون أبرز مراحل تطور القاموس العربي اعتماد الترتيب الأبجدي أي الألفبائي النطقي. أما لجهة تقديم تعريف جامع مانع للكلمة، وكذلك لجهة الابتكار والتجديد أو النص على ما تنبض به الحياة من معانٍ ومفردات، فالتقصير هائل ومخزٍ. والمؤسف أن المعاجم العربية تنسخ ما سبقها بشكل فاضح حتى إذا وقع أحدها في خطأ ما، نقلته عنه المعاجم اللاحقة حرفياً بلا وعي ولا تدقيق!

ما واقع عالم القواميس اليوم في ظل انتشار السرقة في هذا القطاع على غرار قطاعات أدبية وإعلامية وفنية كثيرة؟

أكثر الكتب تعرُّضاً للسرقة والقرصنة والتزوير هي القواميس. لا يمكن تصوّر مدى الفلتان فيما خصّ انتهاك الملكية الفكرية عموماً، والملكية الفكرية للقواميس خصوصاً. وهذا يشمل إصدار نُسخ ورقية مشابهة مزوَّرة، ونَسْخ محتوى القاموس وعرضه إلكترونياً، والنقل الحرفي منه مع تشويهه في غالب الأحيان. أضيفي إلى ذلك أن كل أعمال السطو هذه محشوة بالأخطاء الفادحة، أو ناقصة ومبتورة، أو رديئة بالإجمال، وغير جديرة بالاعتماد على الإطلاق.

ثمة دلالات ومصطلحات أدخلت إلى اللغة العربية منبثقة من ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، فكيف واكبت في معجمك الجديد هذا التطور وهل ترد الاصطلاحات الجديدة فيه؟

أعتزّ بأن قاموسي «المورد العربي» حافل بالمصطلحات الحديثة بما فيها المصطلحات التقنية. إنه قاموس يعكس حقيقة تطور اللغة العربية ونموّها المتسارع في عصر الثورة المعرفية، وطوفان المعلومات، ولحظوية التواصل. ولا شك أن مستخدمي القاموس اليوم يحتاجون إلى قاموس يحتوي على كل هذه المستجدات الفكرية في استعمالاتها العملية.

مسح لغوي

«المورد» ثمرة عمل شاق دام سنوات طويلة، فهل تعتبر أنه ألمَّ بجوانب لغة العصر الجديدة ومترادفاتها؟

بديهي القول إن «المورد العربي» هو قاموس الحياة المعاصرة، فلقد تحرّيت فيه الإحاطة بلغة العصر الجديدة في مختلف المجالات. ومن جملة ما اعتمدتُ عليه في تأليفه مسح لغوي شامل للكلمات المستجدة، والدلالات المستحدثة، ووتيرة ورود الألفاظ في الاستعمال الفعلي. كذلك أَتْبَعْتُ المعاني بقائمة وافية من المترادفات والمفردات ذات المعاني المشتركة أو المتقاربة.

في لغة النشر الإلكتروني مصطلح «تحديث»، فكيف يمكن تحديث القواميس خصوصاً أنه في كل يوم تبرز مصطلحات جديدة ناتجة عن تلاقي الحضارات في فضاءات الإنترنت اللامحدودة؟

الكلمات تولد وتموت، كذلك المعاني. وما يستقر منها ويشيع بعد أن يتم اعتماده وتداوله، يدخل اللغة بشروط معينة لجهة نقائه اللغوي وعدم معارضته القواعد اللغوية. والنص على المصطلحات الجديدة مهمة جليلة يجب أن يضطلع بها القاموس المعاصر. أما فيما يتعلق بالمصطلحات التي قد تنشأ بعد صدور القاموس، فإنها تضاف في طبعاته اللاحقة.

هل تعتبر أن الإنترنت وكم المعلومات الهائلة التي يضخها قد يقضي في المستقبل على الطبعات الورقية للقواميس؟

على الرغم من أن المستقبل سيعزز حتماً من الاعتماد على الانترنت والقراءة بواسطة الشاشة، فإن القواميس الورقية تبدو صامدة ومطلوبة. فهي أولاً أكثر موثوقية من المعلومات المبعثرة والمكررة في الفضاء الإلكتروني، وهي ثانياً تبقى في متناول المرء في مختلف الظروف والأمكنة.

ما الذي دفعك إلى التخصّص في إصدار القواميس؟

نشأتُ في بيت عِلْم تملأ الكتبُ والقواميسُ الرفوفَ في كل جنباته. أحببتُ تأليف القواميس منذ صغري، واحترفتُ العمل المعجمي فيما بعد. أذكر أن أول قاموس ألّفته كان قاموساً إنكليزياً– عربياً وعربياً – إنكليزياً وأنا تلميذ في المرحلة المتوسطة (13 سنة). كذلك عاونتُ والدي الراحل الأستاذ منير البعلبكي في تأليف قاموسه «المورد إنكليز – عربي» وتنقيحه جزئياً. وبعد عودتي من التخصص في القانون الدولي العام وحقوق الانسان بجامعة هارفرد، طلب إليّ والدي أن أبدأ بتأليف قاموس «المورد عربي– إنكليزي». وهكذا كان، ثم توالت قواميسي المعروفة حتى بلغت العشرات. وهي جميعها من أكثر القواميس اعتماداً في مختلف بلدان العالم.

   نشاطات ومؤلفات

• نال د. روحي البعلبكي جوائز محلية وعالمية، وشغل مناصب في لبنان والخارج من بينها: الأمين العام الأسبق لاتحاد الكتّاب اللبنانيين، نائب الأمين العام والأمين العام المساعد للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب سابقاً، رئيس لجنة المصطلحات الإداريّة في لبنان. عضو مؤسس للمجلس العلمي الاستشاري الدولي للأمم المتحدة، ميلانو، وعضو مجلس الإدارة فيه، عضو المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائيّة، سيراكوزا، إيطالـيــا، نائب رئيس المجمع العربي للملكية الفكرية، مؤسس المنظمة العربية للترجمة وعضو مجلس الأمناء فيها، رئيس فرع لبنان في الجمعية الدولية للقانون الدولي، لندن، الأمين العام السابق للهيئة الوطنية للأسرة اللبنانية، عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الثقافي لمدينة بيروت، نائب رئيس جمعية أصدقاء المكتبة الوطنيّة سابقاً...

• أبرز مؤلفاته: معجم «المورد عربي– إنكليزي»، معجم «المورد الوسيط عربي- إنكليزي»، معجم «المورد القريب عربي– إنكليزي»، معجم «المورد الميسر عربي– إنكليزي»، معجم «المورد الصغير عربي– إنكليزي»، معجم «المورد الثلاثي عربي- إنكليزي– فرنسي»، «المورد المرئي إنكليزي- عربي- فرنسي– إسباني»، معجم «المورد المفهرس لألفاظ القرآن الكريم»، معجم «المورد عربي-  إيطالي»، معجم «المورد عربي– إسباني»، معجم «المورد عربي– ألماني»، «كيف تكتب رسائلك بالإنكليزية»، «موسوعة روائع الحكمة والأقوال الخالدة»، معجم «روائع الحكمة والأقوال الخالدة»، سلسلة «ألف ليلة وليلة»، سلسلة «المكتب العلمي للتأليف والترجمة»...

من ترجماته: «آخر مئة يوم للاتحاد السوفياتي»، «اليوغا تطيل عمرك»، «الحملات الأميركية على شمالي إفريقيا»، «الفن الإسلامي».

back to top