رغم أنَّ يوم "الهدنة" الأول في سورية قد مضى بسلام، في ظل كل الاختراقات الاستفزازية التي لجأ إليها نظام بشار الأسد، فإن ارتفاع وتيرة المناوشات الكلامية بين الأميركيين يوحي بأنه من المبكر جدّاً الحديث عن بداية لا بأس بها يمكن الاتكاء عليها للوصول إلى المفاوضات السياسية المتفق عليها مبدئياً لإنجاز حل المرحلة الانتقالية، الذي تم التوصل إليه في "جنيف 1"، واستُتْبع في "فيينا" الأولى والثانية، والقاضي بتشكيل هيئة قيادية، "ليست حكومة وحدة وطنية"، تأخذ البلاد إلى الاستقرار والهدوء لا مكان فيها لرئيس هذا النظام، ولا للملطخة أيديهم بدماء أبناء الشعب من أعوانه والمحيطين به.          

Ad

 فالمعارضة، التي هي المعنية، أولاً، بخطوة وقف إطلاق النار فترة أسبوعين، تشكك في نوايا الروس، وتقول إنه إذا استثنى نظام الأسد من هذه الخطوة، فإنها بدورها تستثني "حزب الله" والتنظيمات المذهبية المستوردة من الخارج لذبح أبناء الشعب السوري، وأيضاً حراس الثورة، بينما بادر الأميركيون، على لسان وزير خارجيتهم جون كيري، إلى التلويح بـ"خطة بديلة" إذا فشلت هذه الهدنة، في حين أبدى الرئيس باراك أوباما شكوكاً بالنسبة لالتزام "أطراف النزاع" بوقف إطلاق النار الذي صوّت عليه مجلس الأمن الدولي بكل أعضائه الدائمي العضوية.

 وعن هذه الخطة البديلة، التي واصل جون كيري الحديث عنها كثيراً في الأيام الأخيرة ورفضها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،  نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن مسؤول أميركي، ما معناه، أنها تعني دعم المعارضة السورية، وزيادة المساعدات لها وتدريبها وصولاً إلى ما يمكن أن يكون منطقة آمنة ومنطقة حظرٍ جوي، وهنا فإن ما يجلب الانتباه، فعلاً، هو إشارة الرئيس أوباما التي قال فيها: "إن القضاء على تنظيم داعش لا يمكن أن يكون إلا بإنهاء الفوضى في سورية، وإنهاء الحرب الأهلية"، وذلك مع أنه شكك في إمكانية وقف "الأعمال العدائية" التي اختلط فيها الحابل بالنابل وفقاً لأحد الأمثال العربية الشهيرة المعروفة.

 ولعل ما يشير إلى نوايا الروس السيئة، فعلاً، هذا إنْ صحت المعلومات التي تقول إنهم سيستغلون هذه الهدنة للقيام بمصالحات ثنائية مباشرة بين نظام بشار الأسد وبعض أطراف المعارضة السورية، وذلك على غرار ما كانوا حاولوه دون أيِّ نجاح يُذكَر في مرات عدة سابقة، وإنْ هو تم فعلاً وحقق ولو بعض النجاح، والواضح أنه لن يحقق أي نجاحٍ، فإنه يعني أن فلاديمير بوتين ومجموعته قد وافقوا على هذه الهدنة، وما بعدها من قبيل "الخدعة"، وأنهم مصرون على فعْلِ ما فعلوه في "جنيف 2" على إحباط "جنيف 1"، واستبدال المرحلة الانتقالية والهيئة القيادية المقترحة بكذبة "حكومة الوحدة الوطنية" التي كان وزير خارجية هذا النظام وليد المعلم تحدث عنها بتكليف من لافروف.

    وأغلب الظن، وليس بعضه، لأن بعض الظن إثْم، أنَّ الروس قد غيروا "لهجتهم" لكنهم لم يغيروا نواياهم، ولهذا فإنهم قد لجأوا إلى عملية التسلل الجانبي هذه، واستغلال فترة الهدنة وما بعدها لإجراء مصالحات جانبية ثنائية مباشرة بين بعض أطراف هذه المعارضة وبين بشار الأسد، الذي قبل أنْ يردعه المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين ويصف تصريحاته الأخيرة بأنها "لا تنسجم مع جهود روسيا الدبلوماسية"، كان قد قال: إن الهدنة تتم بين دولٍ لا بين جيوشٍ وإرهابيين"! والمعروف أنه، أي الأسد، قد بادر إلى تدارك الأمور بعد تأنيب تشوركين، والقول: "إننا نوافق على كل ما يُطرَح باستثناء (داعش) و(النصرة) والتنظيمات الإرهابية الأخرى".

 وهكذا، وفي النهاية، فإنه لا يمكن أن تكون هناك أي ثقة لا بنوايا هذا النظام ولا بنوايا الروس، الذين إنْ هُمْ تعبوا من القتال، الذي تجاوز حدود تقديراتهم، والذي أرادوه فترة محدودة للقضاء على المعارضة السورية أو إضعافها، لكن ها هو يدخل الآن شهره السادس، ولم يتعبوا من التآمر مما يعني أنه على الولايات المتحدة أن تستعد لخيار "الخطة البديلة"، وعلى العرب المساندين للشعب السوري، فعلاً، أنْ يواصلوا دعمهم السياسي والعسكري كماً وكيفاً للمعارضة السورية وقواتها المقاتلة... وذلك لأنه لا بد مما ليس منه بدُّ، ولأن الكيَّ هو آخر العلاج، ولأنه لا حلَّ إلا بإسقاط نظام استبدادي لا تنفع معه إلا القوة العسكرية ومواجهة عنْفه بعنف أشد.