العودة للجذور
تشكل المجتمع الكويتي في بداية تكوينه من مهاجرين من الدول المجاورة السعودية وإيران والعراق وقلة من المهاجرين من مناطق قريبة أخرى، ومهاجرين سنة وشيعة من السعودية ونجد والأحساء، ومهاجرين سنة وشيعة من إيران وسنة وشيعة من العراق، وحين دخلت عائلة الصباح الكويت كان المجتمع الكويتي يشمل هذا التنوع، كان غرض الهجرات طلب الرزق، أو الهرب من ضيق مجتمعاتهم، أو البحث عن أرض جديدة وإن لم تكن للكويت في بدايتها جاذبية مميزة.بعد بروز الكويت وارتفاع مكانتها التجارية وسمعتها في الدول المجاورة ازدادت وتيرة الهجرة من هذه الدول نفسها والمكونات السنية والشيعية نفسها، وكان التعايش وقتها عجيبا، وإن لم يكن مثاليا، خصوصا في غياب أو ضعف أي مطالب سياسية للمهاجرين، فكانت الفروقات بين الناس طبقية ولم تكن طائفية بأي شكل واضح أو مضر.
بعد اكتشاف النفط وتصديره ازدادت وتيرة الهجرة القانونية وغير القانونية، وأصبح حامل التبعية الكويتية مميزا ويستحق من دخل النفط مزايا عديدة، حمست الكثير على ترك بلدانهم والهجرة إلى الكويت في وقت كانت الكويت بحاجة إلى العمالة في كل التخصصات، وبالذات عمال البناء والتشييد، وقد ساعد الكويتيون أقاربهم ومعارفهم في الانتقال للكويت وسهلوا لهم أمر إقامتهم.قبل النفط كان التجار هم ممولو الحكومة، ولذلك كانت كلمتهم مسموعة، وحاولوا مع عناصر وطنية مثقفة وضع أسس حديثة للدولة الناهضة، ووضع أسس قانونية لترتيب أصول الحكم ومشاركة الناس بالحكم توجت في عام 1961 بالاستقلال عن بريطانيا، ثم إعداد دستور للبلاد. وقد جاء دستور البلاد في جانبه الاجتماعي متوازنا، وثبت قواعد جيدة في مسائل الحريات وحقوق الإنسان والوحدة الوطنية. بعد أول تجربة للانتخابات بدأت الهجرات تأخذ أشكالا منظمة، ورأينا عمليات هجرة إيرانية تتم رعايتها من متنفذين، ثم هجرات قبلية من السعودية والزبير يرعاها متنفذون آخرون، وكان الغرض من وراء ذلك إضعاف الصف الوطني ودعم الموالين للحكم بهجرات جديدة ظن القائمون عليها أنها ستسندهم في مستقبل الأيام.وتظهر الأيام بعد عدة تجارب انتخابية أن النظام استطاع أن يستخدم هذه الهجرات لمصلحته في ضرب معارضيه وإنجاح من يراه مناسبا في مجالس الأمة حتى يسكت أي صوت قوي للمعارضة، وقد نجح مرات وفشل مرات أخرى ولكن الذي لم يكتشفه إلا بعد فوات الأوان أن من جلبهم لحمايته وعوا وتعلموا وأدركوا أن لهم حقوقا وأن لهم صوتا لا يجوز تجاهله.حاول النظام التلاعب على أوتار هذه التجاذبات خاصة بعد أن شكل هؤلاء المهاجرون كتلا فاعلة في التنظيمات السياسية، فأخذ يقرب هذا الفريق مرة ويقرب ذاك مرة أخرى حتى مل الجميع من اللعب، واكتشفوا الأضرار البالغة التي أصابت البلد، وانتشار الفساد بشكل رهيب نتيجة شراء الذمم وضم هذه المجموعة أو تلك لصفوف المؤيدين. واتضح للجميع سنة وشيعة، بدوا وحضرا أن البلد ينهار بسبب هذه الألعاب، وأن الكويت تكاد تفقد استقلالها نتيجة التجاذبات الخارجية التي أساءت فهم سياسة التقريب والإبعاد، ورأتها سياسة موجهة لها، فكل جار يرى أن الكويت تقصي أو تعامل رعاياها السابقين معاملة سيئة وأن عليها حمايتهم.نحن الآن في وضع اقتصادي سيئ لم يعمل لمستقبلنا أي حساب، ولو استمرت أسعار النفط بالنزول فإن أحدا لا يضمن ما يجري غدا، ولذلك فإن الجميع مدعوون لرفض أن يكونوا لعبة بيد أحد، وأن يلتحموا لبناء كويت أفضل للمستقبل، فلم يفت الأوان والكويت بشبابها فيها من العقول والإرادة ما يفعل المستحيل لو عملت صفا واحدا ونبذت سياسة التفريق والتعصب.السؤال الذي يهمني: أين شباب الكويت مما يحدث؟ وهل بلعوا الطعم فتقسموا كما أريد لهم أم أن عقولهم أكبر وأفضل من عقولنا، ونحن الذين لم نع ولم ندرك اللعبة إلا متأخرين؟ وهل يمكن أن نرى تنظيما أو تنظيمات تمثل كل الشعب الكويتي دون تمييز لانتشال الكويت من محنتها وإعادة اللحمة الوطنية إلى قوتها؟