يعكس التعبير التشكيلي في أساليب الرسام اللبناني بيار مهنّا المختلفة: أكريليك، مائيات، تصميم ديكور... انجذابه إلى الطبيعة اللبنانية. لم يختر المشاهد ولم يرسمها بطريقة عشوائية، بل انطلق في رسمه من حنينه إلى القرية اللبنانية، ملعب طفولته، ونبع ذكرياته، فاستحضر من ذهنه مشاهد قداديس الأحد، الأعياد التقليدية، ضيافة أهلها والحكايات التي تتداولها الأجيال... منتقلاً على جناح الحلم إلى حيث ينسى العمر والزمن، ويركض بين الحقول وفي أفياء الجبل والوادي، يحاكي الفراشات ويكحل عينيه بشموخ البيوت القرميدية ويملأ قلبه وعقله بأريج الأزهار وعبق الأصالة... موجهاً رسالة إلى ضرورة الحفاظ على هذا الغنى الذي حبا الله به لبنان وهذا السحر...

Ad

في لوحات بيار مهنا، ثمة تداخل وتناغم بين الهندسة  والطبيعة، فتبدو المشاهد الطبيعية كأنها تحتضن القرى والبيوت وتحميها من الاندثار ومن عوامل التشويه التي قد يفتعلها الإنسان عن قصد أو عن غير قصد.

ذكريات وقصص

لا يغرق بيار مهنا في التفاصيل إنما يركز على عناصر تعطي هوية للوحة وتحمل المتلقي أو الرائي على أجنحة الحلم إلى عوالم لامتناهية من الذكريات والقصص المختبئة في حنايا التراث.

لأن اللوحات نابضة بالحنين تضفي الألوان غلالة من الهدوء والسكينة على المشاهد، وتتفاعل مع بعضها البعض، لا سيما الأحمر الطاغي والأخضر في حركة  مشهدية تكسبها لعبة النور والظل جمالية وسمواً وقوة عاصية على الزمن...

السطوح القرميدية الحمراء، القناطر، القرى المترامية على سفوح الجبال، الكنائس المنتصبة بشموخ... كلها مشاهد تسير على وقع الأيام وتتحدى الزمن الذي يترك علامات لدى مروره عليها، لتستمرّ في الحاضر والمستقبل مع الحفاظ على تجذرها في الماضي.

طوّع بيار مهنا التجريد لخدمة فكرته، إلا أنه قد ينوع في لوحة واحدة بين التجريدية والتعبيرية، يظهر فيها الخط تارة ويختفي تارة أخرى، مازجاً بين الحلم والواقع ومبتكراً مشاهد مستلهماً عناصرها من شجرة هنا وبيت هناك، جبل هنا وواد هناك، في محاولة منه لرسم مكان ما متفلت من الزمن وقابع بين الريشة واللوحة،  ومضفياً عليه لغة لونية تجعله بالغ السمو.

لوحات بيار مهنا احتفالية مستمرة بالطبيعة اللبنانية وبالتراث، كيف لا وهو كرّس ريشته وفكره لخدمة قضية الحفاظ على الأبنية الأثرية اللبنانية والتراث المعماري الذي يؤول للأسف إلى الزوال، مؤمناً بأن من لا تراث له لا هوية له... من هنا تريح لوحاته القلب والعقل والذهن، وتشكّل نظرة بانورامية، إذا صح التعبير، إلى الطبيعة اللبنانية والتراث اللبناني، ودعوة للأجيال الشابة بإعادة اكتشاف مكامن الجمال في بلدها، بعدما باتت حضارة الباطون هي السائدة والمسيطرة سواء في القرية أو المدينة...

بين الهندسة والفن

المهندس والرسام التشكيلي بيار مهنا مجاز بالفنون الجميلة في جامعة الروح القدس-الكسليك (1983)، ونال في العام نفسه منحة للدراسة في ألمانيا.

منذ 1985، يدرّس في جامعة الروح القدس- الكسليك، في قسم الديكور والرسم، وأسس في العام نفسه مشغله الخاص. بين 1991 و2000 شغل منصب المسؤول عن قسم الفنون في معهد Thevenet في لبنان التابع لجامعة Duquesne في الولايات المتحدة الأميركيّة.

كتب مقالات وبحوثاً في مجالات: الهندسة المعمارية، هندسة المناظر الطبيعية، التصميم الصناعي، تقنيات اللوحات والرسوم، وشارك في مؤتمرات عدة...

يهتم مهنا بشكل خاص بالفن الـ {نيو مودرن} أي الحديث والمعاصر. يصمم الأثاث والكراسي، ويعترف بأن له كفاءة معمارية تؤثر في نهجه بالرسم: {أعمل مع أشكال هندسية كل يوم}.

شارك على مدى سنوات في صالون الخريف في متحف سرسق، وفي معارض تجارية دولية تنظم في بيروت: {آيدكس}، {الصالون الدولي للمهن الفنية والهندسية} (1995-2002).

في 2008، شارك في رسم لوحة حية مستوحاة من  مقطوعة موسيقى جنائزية ليوهانس برامز من تنظيم غاليري {شاهين}.

منذ 1995، يزور بانتظام المعارض الدولية السنوية التي تقام في إيطاليا لمواكبة الاتجاهات، والمواد الجديدة والتكنولوجيات المتغيرة .

في مارس 2005، منحته اللجنة الدولية للاختيار B.I.D {جائزة القيمة النوعية}، وتسلمها خلال حفلة  توزيع الجوائز في نيويورك.

في يوليو 2014، أطلق مهنا الخط الجديد له في تصميم الكراسي في مدن تاريخية مهمة في إيطاليا؛ روما، سان جيوفاني روتوندو، غاليبولي، ليتشي، نابولي وكابري.

بين 2010 و2016، أقام معارض فردية في لبنان.