في إطار تعزيز التعاون بين مصر والسعودية، أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس، الاتفاق على تشييد جسر يربط بين البلدين عبر البحر الأحمر، في حين اقترح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال مراسم توقيع 15 اتفاقية لدعم التعاون الاقتصادي، تسميته باسم «جسر الملك سلمان».

Ad

في ثاني أيام زيارته لمصر، عقد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قمة ثنائية مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مقر قصر "الاتحادية" الرئاسي، أمس، وشهدت القمة توقيع 15 اتفاقية بين البلدين لتدعيم التعاون الاقتصادي، فضلا عن الاتفاق على إنشاء جسر بري يربط بين البلدين فوق مياه البحر الأحمر، فيما يزور الملك سلمان الجامع الأزهر ومقر البرلمان المصري وجامعة القاهرة خلال الزيارة، التي تستغرق خمسة أيام تنتهي بعد غد الاثنين.

السيسي رحب، في كلمته خلال المؤتمر الصحافي المشترك، بالملك سلمان، واصفا زيارته بالتاريخية، وقال إن زيارة العاهل السعودي "ترسي أساسا وطيداً للشراكة الاستراتيجية بين جناحي الأمة العربية مصر والسعودية"، مشيراً إلى أن التنسيق يمثل نقطة انطلاق حقيقية لحل المشكلات في المنطقة "بما يسهم في مواجهة التحديات الإقليمية غير المسبوقة التي تواجهها الأمة العربية".

واعتبر السيسي أنه يمكن عد الزيارة منطلقا لإعادة "الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية الجامعة للوقوف في مواجهة الإرهاب والتطرف اللذين يقوضان الاستقرار ويُمثلان خطراً على مستقبل الإنسانية بأسرها"، وقلد الرئيس المصري العاهل السعودي "قلادة النيل"، وهي أرفع وسام مصري.

منفذ دولي

بدوره أعلن الملك سلمان تدشين جسر بين السعودية ومصر عبر البحر الأحمر ليربط بين مشرق العالم العربي ومغربه، مؤكداً أن الجسر البري سيرفع التبادل التجاري بين البلدين وسيشكل منفذا دوليا للمشاريع الواعدة بين البلدين، وطالب الرئيس السيسي بإطلاق اسم العاهل السعودي على الجسر الذي يتوقع أن يمر فوق مدخل خليج العقبة وتحديدا فوق جزيرة تيران المصرية، في إطار تعيين الحدود البحرية بين البلدين.

وقال سلمان إن زيارته تأتي "لتعزيز العلاقات التاريخية بين السعودية ومصر"، وأضاف: "رعد الشمال رسالة للعالم عن قوتنا في تحالفنا الإسلامي والعربي"، وأشار إلى أن مصر كانت من أوائل الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي دعم اليمن واستقراره ويكفل للأمة هيبتها ومكانتها، مشددا على أننا "نعيش واقعا عربيا وإسلامياً جديداً تشكل فيه التحالفات أساساً دون التدخل في الشؤون الداخلية".

حزمة اقتصادية

وشهد السيسي وسلمان توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بقصر الاتحادية، من بينها 4 اتفاقيات مالية وقعت عليها وزيرة التعاون الدولي، سحر نصر، منسقة الجانب المصري في مجلس التنسيق المصري السعودي، مع الصندوق السعودي للتنمية، بقيمة 590 مليون دولار، فضلا عن اتفاقات وتفاهمات في التعاون الثنائي بين البلدين.

ووقعت نصر، على 4 اتفاقيات، بمشاركة رئيس الصندوق السعودي للتنمية، إبراهيم العساف، فيما يخص اتفاقية إنشاء جامعة الملك سلمان بنعبد العزيز بمدينة الطور (جنوب سيناء)، بقيمة 250 مليون دولار، واتفاقية إنشاء 9 تجمعات سكنية في شبه جزيرة سيناء، بقيمة 120 مليون دولار، وذلك ضمن مشروع تنمية سيناء، واتفاقية تمويل مشروع محطة كهرباء غرب القاهرة، بقيمة 100 مليون دولار، واتفاقية مشروع تطوير مستشفى قصر العيني، بقيمة 120 مليون دولار.

وشهد الزعيمان توقيع مسؤولين عن الجانبين، اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ومنع التهرب الضريبي في شأن الضرائب على الداخل، واتفاق للتعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتعاون في مجال النقل البحري والموانئ، فضلا عن مذكرات تفاهم في مجالات الكهرباء والطاقة، والإسكان والتطور العقاري، والزراعة، وتفاهم للتعاون في التجارة والصناعة، وحماية النزاهة ومكافحة الفساد.

ووقع رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل ممثلا عن الجانب المصري، مع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على اتفاقية تعيين للحدود البحرية بين البلدين.

تفاهمات أمنية

كشف مصدر مصري رفيع المستوى لـ"الجريدة"، كواليس التفاهمات بين الجانبين لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين خلال الفترة المقبلة، تشمل إسقاط جزء من ديون مصر لدى السعودية، والحديث عن وديعة سعودية تقدم للبنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي، وسط أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري، خاصة أن الرياض عازمة على رفع إجمالي استثماراتها في مصر إلى نحو 60 مليار ريال سعودي (نحو 18 مليار دولار).

وأكد المصدر أن الزيارة لا تقتصر على الشق الاقتصادي بل إن هناك شراكة عسكرية بين البلدين، بالإضافة إلى أن السعودية ستتكفل بجزء من صفقة أسلحة فرنسية تتكلف نحو مليار دولار، في إطار تعزيز القدرات العسكرية للجيش المصري، في إطار سياسة الملك سلمان بدعم مصر عسكرياً من خلال إنهاء أية صفقات عسكرية معلقة لها.

إيران وتركيا

وأجمع مراقبون على حضور طهران وأنقرة على طاولة المباحثات المصرية السعودية، إذ يبدو أن القمة شهدت تقاربا بين البلدين في انتهاج مقاربة تواجه تغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، إذ اتخذت القاهرة عدة إجراءات قبيل الزيارة منها إعلان وزير الخارجية سامح شكري أنه لا مجال للحوار المصري-الإيراني حالياً، كما بادرت شركة "نايل سات" المملوكة للدولة المصرية بحظر قناة "المنار" التابعة لحزب الله.

وإزاء الأنباء حول وساطة سعودية بين القاهرة وأنقرة، قال مصدر مصر رفيع المستوى لـ"الجريدة"، إنه على تركيا اتخاذ خطوات إيجابية تجاه النظام المصري، أولها الاعتذار عن أفعالها وممارستها خلال الفترة الماضية، وإعلان رفضها التحريض وتخليها عن دعم جماعة "الإخوان" المصنفة إرهابية من القاهرة.

واستبعد المصدر مشاركة الرئيس السيسي في القمة الإسلامية، على الرغم من أنه من المقرر أن تشهد القمة تسليم القاهرة رئاسة القمة إلى أنقرة، فيما يغادر الملك سلمان القاهرة بعد غد، إلى تركيا للمشاركة في القمة.

طوارئ العاصمة

أمنيًا، مع دخول زيارة العاهل السعودي يومها الثالث اليوم، استمرت الأجهزة الأمنية المصرية في فرض حالة الطوارئ في أنحاء العاصمة المصرية عبر محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، خاصة أن الزيارة تشهد تحركات موسعة لسلمان في أنحاء القاهرة، إذ يفترض أن يزور الجامع الأزهر شرق العاصمة اليوم، على أن يزور مقر البرلمان بوسط القاهرة غدا، وجامعة القاهرة، غرب العاصمة بعد غد.

وقال مصدر أمني لـ"الجريدة" إن الأجهزة الأمنية اتخذت جميع الإجراءات الأمنية لتحقيق أقصى الدرجات التأمينية، خلال تحركات العاهل السعودي، وأضاف أن انتشارا أمنيا علنيا وسريا بمحيط مقر الملك سلمان، والتي تأتي أغلبها أعلى جسر "السادس من أكتوبر"، الواصل بين الجيزة والقاهرة، حيث مقر قصر الاتحادية الرئاسي.

الدكتوراه الفخرية للعاهل السعودي

بينما تتبارى مؤسسات الدولة المصرية في الاحتفاء بزيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، قرر مجلس جامعة القاهرة، كبرى الجامعات المدنية في مصر، منح الدكتوراه الفخرية لسلمان، بوصفه شخصية عالمية محورية لها تأثير بالغ ومشهود في محيطها العربي والدولي، ولإسهاماته البارزة في خدمة العروبة والإسلام والمسلمين، ومساندته لمصر وشعبها، ولدوره البارز في دعم جامعة القاهرة.

ومن المقرر أن يزور الملك سلمان جامعة القاهرة بعد غد الاثنين، لتكريمه ومنحه الدكتوراه الفخرية بالقاعة التاريخية في الجامعة، والتي تحمل اسم رائد التنوير في مصر، أحمد لطفي السيد، وسيقدم الصندوق السعودي للتنمية قرضا بقيمة 450 مليون ريال سعودي (نحو 120 مليون دولار)، لتطوير مستشفيات كلية طب قصر العيني التابعة لجامعة القاهرة.

وقال رئيس جامعة القاهرة، الدكتور جابر نصار، خلال اجتماع مجلس الجامعة، أمس الأول، إن معايير منح الدكتوراه الفخرية تقوم على إضفاء التكريم على الشخصيات التي حققت إنجازات مرموقة في مجال تخصصها، وأضاف أن الملك سلمان قدم خدمات جليلة للعروبة، وعلى المستوى الدولي له تأثير بارز في جميع المحافل، كما ساهم بدور بارز في دعم جامعة القاهرة ومؤسساتها المختلفة.

وتحمل الدكتوراه الفخرية الممنوحة إلى العاهل السعودي رقم 89 منذ منحها للمرة الأولى في عشرينيات القرن الماضي، إذ سبق وحصل عليها الرئيس الأميركي الأسبق تيودور روزفلت، ورئيس الحكومة الإيرانية الأسبق محمد مصدق، وأديب نوبل المصري نجيب محفوظ، وكان آخر من حصل عليها حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، العام الماضي.