كيفية إنهاء الحرب في سورية

نشر في 03-03-2016
آخر تحديث 03-03-2016 | 00:00
الجماعات الجهادية العنيفة والمدعومة من «زبائن» أجانب تنهش البلاد وتفترس الشعب بلا رحمة، جميع الأطراف في النزاع، نظام الرئيس بشار الأسد، والقوى المناهضة له بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها والدولة الإسلامية، كلهم ارتكبوا وما زالوا يرتكبون جرائم حرب خطيرة.
 بروجيكت سنديكيت تشكل سورية حاليا أكبر كارثة إنسانية وأخطر نقطة جيوسياسية ساخنة في العالم، فقد تم قتل أكثر من 400.000 وتشريد عشرة ملايين من أبناء الشعب السوري.

إن الجماعات الجهادية العنيفة والمدعومة من "زبائن" أجانب تنهش البلاد وتفترس الشعب بلا رحمة، جميع الأطراف في النزاع، نظام الرئيس بشار الأسد، والقوى المناهضة للأسد بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها والدولة الإسلامية، كلهم ارتكبوا وما زالوا يرتكبون جرائم حرب خطيرة.

لقد حان الوقت لإيجاد الحل، لكن يجب إرساء هذا الحل على أسس شفافة وواقعية بسبب ما خلفته الحرب منذ البداية، وجرى التسلسل الزمني للأحداث على النحو التالي: في فبراير 2011 قامت احتجاجات سلمية في المدن الكبرى في سورية، في خضم الانتفاضات والاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي والتي أطلق عليها اسم "الربيع العربي"، وكان رد فعل نظام الأسد عبارة عن مزيج من القمع العنيف (إطلاق النار على المتظاهرين) وتقديم عروض للإصلاح، وسرعان ما تصاعد العنف بعد ذلك، واتهم معارضو الأسد النظام باستخدام القوة ضد المدنيين دون توقف، في حين أشارت الحكومة إلى مقتل الجنود ورجال الشرطة كدليل على وجود جهاديين عنيفين وسط المتظاهرين.

كما يبدو أنه في وقت مبكر من شهر مارس أو أبريل 2011 بدأ المقاتلون والمسلحون السنيون المعادون للنظام بدخول سورية من الدول المجاورة، فالعديد من روايات شهود عيان تحكي عن الجهاديين الأجانب الذين انخرطوا في هجمات عنيفة ضد رجال الشرطة. (لكن من الصعب تأكيد مثل هذه المعلومات، خصوصا بعد نحو خمس سنوات).

وقد حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة خلع الأسد من السلطة في ربيع عام 2011 معتقدين أنه سيسقط بسرعة مثل المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي، كما أكد الكثير من المراقبين أن قطر تمول بشكل كبير الأنشطة المناهضة للنظام في سورية، مستخدمة القناة الرئيسة للدوحة "الجزيرة" لتعزيز المشاعر المعادية للأسد في جميع أنحاء العالم، على الرغم من صعوبة تحديد هذه الادعاءات بصورة نهائية.

وقد فرضت الولايات المتحدة خناقا شديدا على التجارة وعقوبات مالية على النظام، ودعا معهد بروكينجز الداعم للسياسة الرسمية للولايات المتحدة لإسقاط الأسد، كما ارتفعت الدعاية المناهضة للأسد في وسائل الإعلام الأميركية. (وحتى ذلك الحين، اعتبر الأسد في وسائل الإعلام الأميركية حاكما جيدا نسبيا، وإن كان استبداديا، كما أشارت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في أواخر مارس 2011 أن الكثيرين في الكونغرس الأميركي ينظرون إلى الأسد كشخص مصلح).

ويعود إطلاق الحرب إلى 18 أغسطس 2011، عندما أعلن الرئيس باراك أوباما وكلينتون أن "الأسد يجب أن يرحل"، حتى ذلك الوقت كان العنف لا يزال تحت السيطرة، وقد وصل مجموع الوفيات، بمن في ذلك المدنيون والمقاتلون، إلى نحو 2900 (وفقا لحصيلة أعدها معارضو النظام).

وبعد أغسطس ارتفع معدل الوفيات بشكل كبير، ويقال أحيانا إن الولايات المتحدة لم تتصرف بقوة في هذه المرحلة، وقد قام خصوم أوباما السياسيين بمهاجمته بسبب اتخاذه إجراءات قليلة جدا، ولكن الولايات المتحدة عملت بالفعل على إسقاط الأسد، وإن كان معظم محاولاتها سرية وعبر الحلفاء، وخصوصاً المملكة العربية السعودية وتركيا (رغم أن أيا من البلدين لم يكن في حاجة إلى الكثير من الحث على التدخل)، وقد قامت وكالة المخابرات المركزية والمملكة العربية السعودية بتنسيق أعمالهما في سرية تامة.

وبطبيعة الحال لا يمكن للتسلسل الزمني تفسير الحرب، ولهذا نحن بحاجة ماسة لدراسة دوافع الفاعلين الرئيسيين:

 أولا، وقبل كل شيء إن الحرب في سورية هي حرب بالوكالة، وتنطوي على رأسها الولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وتركيا وإيران، وقد بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها والمملكة العربية السعودية وتركيا، الحرب في عام 2011 من أجل إسقاط نظام الأسد، وقوبل التحالف الأميركي بتصاعد مضاد من روسيا وإيران، والحليف المفوض من إيران حزب الله اللبناني الذي قاتل جنبا إلى جنب مع حكومة الأسد.

وكان اهتمام الولايات المتحدة بإسقاط نظام الأسد يكمن على وجه التحديد في اعتمادها على الدعم الإيراني والروسي، وقد اعتقد مسؤولون أمنيون في الولايات المتحدة أن إزالة الأسد من شأنها إضعاف إيران وتقويض حزب الله، وتراجع  تأثير روسيا الجيوسياسي.

وقد رغب حلفاء أميركا، بما في ذلك تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر في استبدال النظام العلوي للأسد في سورية بالنظام الذي يقوده السنة (العلويون هم فرع من المذهب الشيعي)، واعتقدوا أن هذا سيضعف منافسهم الإقليمي، وإيران، وسيهمش نفوذ الشيعة في الشرق الأوسط بشكل عام.

وظنا منها أن إسقاط الأسد أمر سهل اعتمدت الولايات المتحدة، وليس للمرة الأولى، على الدعاية الخاصة بها، وقد واجه النظام معارضة شديدة، لكنه حصل على دعم داخلي كبير، والأهم من ذلك أن النظام يتمتع بحلفاء أقوياء، لا سيما إيران وروسيا، وكان من السذاجة بمكان الاعتقاد أنه لن تستجيب له أي من هاتين الدولتين.

وينبغي للجمهور اعتبار الطبيعة القذرة للحرب التي تقودها وكالة المخابرات المركزية، فقد قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإغراق سورية بالجهاديين السنّة، تماما كما فعلت بأفغانستان في الثمانينيات مع الجهاديين السنة (المجاهدين) والذين أصبحوا فيما بعد يسمون بتنظيم القاعدة، وقد دعمت المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة بانتظام بعض الجماعات الجهادية الأكثر عنفا في سوء تقدير ساخر بأن هؤلاء الوكلاء سيقومون بعملهم عوضا عنهم، وبعد ذلك ينحون جانبا بطريقة أو بأخرى.

ووفقا لوسائل الإعلام الأميركية والأوروبية، فإن التدخل العسكري الروسي في سورية غادر وتوسعي، لكن الحقيقة مختلفة، لا يجوز للولايات المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة تنظيم التحالف وتمويل المرتزقة وتهريب الأسلحة الثقيلة لإسقاط حكومة دولة أخرى، إن روسيا في هذه الحالة ترد ولا تتصرف، إنها بذلك تجيب عن استفزازات الولايات المتحدة ضد حليفتها.

ويتطلب إنهاء الحرب التمسك بستة مبادئ:

 أولا، توقف الولايات المتحدة عن العمل على إطاحة الحكومة السورية سواء كان ذلك علنا أو سرا.

 ثانيا، يجب على مجلس الأمن للأمم المتحدة تنفيذ وقف إطلاق النار الموجود قيد التفاوض الآن، داعيا جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وقطر وإيران، لوقف تسليح القوات العسكرية وتمويلها داخل سورية.

ثالثا، ينبغي على جميع الأنشطة شبه العسكرية أن تتوقف، بما في ذلك ما يسمى "بالمعتدلين" المدعومين من قبل الولايات المتحدة.

 رابعا، يتعين على الولايات المتحدة وروسيا وأيضا مجلس الأمن الدولي دعوة الحكومة السورية بشكل صارم ومسؤول للكف عن الإجراءات العقابية ضد معارضي النظام.

 خامسا، ينبغي أن يكون الانتقال السياسي تدريجيا مع بناء الثقة بين جميع الأطراف، وليس من خلال الطرق التعسفية، والاندفاع اللذين سيقودان إلى "انتخابات حرة".

وأخيرا يجب الضغط على دول الخليج وتركيا وإيران من أجل التفاوض وجها لوجه في إطار إقليمي من شأنه ضمان السلام الدائم، لقد عاش العرب والأتراك والإيرانيون مع بعضهم بعضا لآلاف السنين، فعليهم تمهيد الطريق لنظام مستقر في المنطقة وألا يتركوا ذلك للقوى الخارجية.

* جيفري دي. ساكس | Jeffrey Sachs ، أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، وهو أيضا مدير شبكة حلول التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top